اسامة حجاج هل يعيش في جلباب "ابو محجوب" .. ؟
15-09-2009 06:34 PM
عمون - علاقتي ب "أسامة حجاج" لم تكن تحصيل حاصل لصداقتي الحميمة مع شقيقه رسام الكاريكاتير المعروف عماد صاحب شخصية أبو محجوب الشهيرة ، فعلى الرغم من تواصلي مع حجاج الكبير ومعايشتي التفاصيل اليومية في حياته بحكم صداقة تاريخيه جمعتني به، وشكلت موضع اعتزازي ، إلا أن هذه الصداقة لم تكن بوابة للتعرف على شقيقه الاصغر .
ذلك أن أسامة تسلل الى شارع الصحافة، عبر موهبة استثنائية وفذة فرضت نفسها ، منذ بواكير صباه حينما بدأ العمل في الصحف الاسبوعية التي تناسلت بعد اقرار قانون المطبوعات عام 1993 ، وتم بموجبه السماح بمنح تراخيص جديده لصحف ساهمت بشكل كبير في رفع سقف الحرية ، وتقديم وجوه وأقلام جديده الى عالم الصحافة، والابداع بعد أن كانت معادلة تداور المهنة تنحصر في نطاق محدود من الصحف والصحفيين .
وإذا ما كان سطوع نجم أسامة حجاج في تلك الفترة بوصفه رساما محترفا للكاريكاتير، هو حاصل جمع فورة صحفية الى موهبه ساطعة فإنه قد توج ذلك بوعي غريزي لنواميس المهنة وجرأه غير معهودة دفعت به الى ما خلف القضبان ، حينما قدم للمحاكمة على خلفية ، احدى الرسومات الجريئة.
وما بين التسعينيات حتى يومنا هذا تمكن اسامة من مواصلة مشواره الفني ، وبسط تفرده وتميزه على مساحات واسعة من فضاءات الحرية التي اطل بها على جمهوره ، سواء في الصحافة المطبوعة ، الاسبوعية واليومية والمعارضه، أو من خلال الاعلام المرئي والمسموع عبر مدونته الخاصة وموقعه الالكتروني .
ويمكن القول بأن أكثر السمات التي تميز أسامة عن غيره من الفنانين بأنه ليس هنالك دور كبير للمؤسسات التي عمل بها في ترويجه وتسويقه ،ذلك أن أسامة صنع منصة إنطلاقته بنفسه من خلال الاعتماد على ( الاعلام الجديد ) واستغلال فضاءات الانترنت ، حيث لا سقف ، ولا قانون مطبوعات يحد من ابداعه ، وينتقص من حريته ، وهذا الامتياز لم يتحصل للكثير من الفنانين الذين أطلوا على جمهورهم عبر نوافذ مؤسساتهم وما ينطوي على تلك الاطلالة من استحقاقات واعتبارات قانونية وسياسية.
نجاح تجربة أسامه في الانتشار من خلال الانترنت تغري بالدراسة والتدقيق ، للاستفادة منها لان ،والمجتمع الالكتروني لايزال مفتوحا على العديد من الاحتمالات والمبادرات ، وهو الامر الذي يؤكد لنا ان الرهان على الاعلام الجديد ما زال متاحا بعد أن أصبح منافسا فعليا لوسائل الاعلام التقليدية،و لان أسامة اجاد ركوب موجته ، فإن ذلك يستدعي من المبدعين الذين يجدون ممانعه ومقاومه في الوصول الى الجماهيرالاستفادة من تجربة أسامة في هذا الاطار.
وفوق ذلك كله فقد أضفى أسامة على رسوماته لونا شبابيا لم يسبقه إليه أحد من خلال إخضاع العديد من الظواهر والمشكلات والمفارقات المتعلقة بالجيل الجديد للفحص والتدقيق ، بعين الخبير والفنان فكانت قضايا "الدواوين" و"الفيس بوك" وآخر صرعات الموضة، وتقليعات المواسم وتفاصيل عالم الديجيتال حاضرة في حركة شخصياته الاساسية "عطا" و"عطوة "اللذين يمثلان نماذج تعكس هموم الشباب من الطبقة الوسطى وتبرز حالة الفصام الاجتماعي وتظهر الصراع بين الاصالة ، واستحقاقات المعاصرة .
شبهة المفارقة بين أسامة وعماد ، تظل موضوعا حاضرا ولكن العدالة في التقييم والانصاف تقتضيان الاعتراف بأن عماد يمثل جيلا آخر في موضوعاته التي يتناولها لتغدوا لوحات أسامة مكملة في موضوعاتها ومتفرده في أفكارها ، ولا تتقاطعان الا في تكوين صورة كاملة لواقع المجتمع بمختلف أجياله .
(فإذا كان أبو محجوب يمثل جيلنا بكل همومه وعذاباته ، فإن "عطا " وعطوة" ينتميان الى جيل آخر ابدع أسامة ، في تقمص مشكلاته وقضاياه دون تكرار أو اشترارا أو إعادة تدوير للافكار فظل مجددا في المواضيع والمحاور الكاريكاتورية ودخل مساحات معتمة ، وجرها الى ساحة الضوء فعبرت لوحاته مختلف القضايا الاجتماعية مثل العلاقات العاطفيه السرية بين الشباب، والصبايا والجوانب الحميمة في الحياة الاسرية ، وأبناء الطبقة المخملية ، وثقافة المراهقين ، والتصنع الاجتماعي وغيرها من القضايا التي لم تكن موضوعات مغرية بالنسبة لرسامي الكاريكاتور .
عدم استرسال أسامه في الاهتمام بالشكل وتركيزه على المضمون لم يسقط الحسابات الجمالية والفنية من لوحاته التي بدت بمشهد كاركاتوري جميل ورشيق ولا تنقصه خفة الظل والمفارقة ، ومراعاة الاعتبارات البصرية التي تمكن من فهم اللوحة والتفاعل مع رسالتها
التحفظ الذي يبديه البعض على الحوار الطويل في رسوماته حجاج تقابله اجتهادات اخرى تبرر مثل هذا الاتجاه الجديد الذي يخاطب جمهورا ويطرح قضايا مختلفة .
اسامة حجاج يرسم لجيل جديد تختلف وجهة نظره عن تلك التي تحملها الاجيال السابقة فهذا الجيل يميل الى تناول البعد النقدي والمعرفي بطريقة سهلة وسريعة،والكاريكاتير عند أسامة حجاج ليس مجرد عمل فني ولكنه رسالة يحاول دائما أن يوصلها كاملة وبطريقة مختصرة .
وبين الخيارين يكون تكثيفيه و ايجازه أحيانا وطوله وتوسعه أحيانا أخرى تقنية جديدة في الكارتون العربي يمكن سهولة ملاحظتها بين دفتي كتابه "عطا وعطوة " الذي سيرى النور قريبا.
أسامة حجاج بدا مظلوما في ظل الظل العالي الذي وضعه شقيقه عماد على فن الكارتون ليس في الاردن فحسب بل في العالم العربي و كان ذلك من شأنه أن يحرج اي فنان ، وكانت هذه المسأله الي شغلت بال أسامه أنه يريد أن يكون مختلفا عن شقيقه ، فإذا كان الشقيقين قد تقاسما كسرة الخبز وشربة الماء ، فإنهما نهلا ايضا من موهبة الوالد المتعدده في الرسم التي لم تأخذ فرصتها في الذيوع لكنها قدمت اسامة وعماد وتنبئ بتقديم مواهب اخرى من ذات العائلة ستظهر قريبا للعيان .