تجنَّب الاحتراق الوَظِيفِيّ؟
يحيى السيد عمر
17-04-2019 01:19 AM
مع مطلع العام 1999م بدأت شركة Z.com نشاطها كموقع ترفيهي لعرض مقاطع الفيديو عبر شبكة الإنترنت، كان لديها الكثير من مُقَوِّمَات النجاح؛ فكرة مبتكرة، ونموج عمل رائع، وتمويل كبير، ومستقبل واعد في مجالها، حدّ أنها اتَّفَقَتْ بالفعل مع عدد من المواهب المُتَمَيِّزَة من Hollywood للالتحاق بالعمل لديها. إذن قد يبدو للجميع أنها سَتستمِرّ طويلًا، لكن العكس هو ما حدث، إذ فاجأت العالم بإعلان إفلاسها العام 2003، وكان السبب خطأ في توقيت إطلاق المشروع؛ فما بين العاميّن 1999 و2000 لم تكن هناك أداة تطبيقية يسيرة تتيح تشغيل الفيديوهات عبر الإنترنت، وكان المتاح فقط أن يُدخل كل شخص يرغب في مشاهدة فيديو ما أن يُدخل ترميز المقطع على المتصفح يَدَوِيًّا، وبالتالي كان الأمر صعبًا للغاية على الجمهور المستهدف من تلك الخدمة ولم يتقبَّلُونه بالطبع، مما أدى إلى فشل الفكرة وتوقَّفَ المشروع.
تجربة Z.com واحدة من ملايين التجارب السِّيَّئَة لمشاريع ناشئة فشلت بعد فترة قصيرة من انطلاقها، وتعدَّدت أسباب ذلك، والتي نستعرضها لكم تفصيلًا في هذا المقال.
تحتاج المشاريع الناشئة أولًا وقبل التنفيذ، التَّمَحْوُر الجيد لفكرة العمل، أي اختيار محور واحد لنشاط المشروع يُميزه عن غيره من المشاريع العاملة في المجال ذاته، وقد يكون ذلك عبر تحديد مكان معين لتنفيذ المشروع، أو فئة معينة من الجمهور والحرص على تلبية حاجاته على وجه التحديد، أو تقديم مُنْتَج ذي مميزات متفرِّدة عن المنافسين، أو اختيار آليات تسويق معيّنة تناسب الجمهور المستهدف وطبيعة المنتج.
يأتي بعد ذلك دور نموذج العمل، الذي يكون بمثابة خطَّة سير تفصيليَّة يُحتذَى بها قبل الانطلاق وخلال مراحل التنفيذ؛ فهذا النموذج هو اللَّبِنَة الأولى لأيِّ مشروع ناشئ، والتي يجب التأكُّد من فاعليّتها لضمان نجاح المشروع، ما يعني أن غياب هذا النموذج أو عدم صياغته بدِقَّة يؤدي إلى الفشل المؤكَّد.
وقد يكون من المفيد هنا مراجعة نماذج عمل مُمَيَّزَة لمشاريع قائمة بالفعل، وهذا لن يتَأتَّى دون البحث والمراجعة الميدانيَّة الدقيقة للشركات الأخرى العاملة في المجال ذاته، ومن ثَمَّ صياغة خطة جديدة تساعد على وضع تَصَوُّر عمل مُحكم يراعي كافة ظروف المشروع الناشئ، ويستعرض الموارد المتاحة لأصحابه، ومواصفات المُنْتَجَات أو الخدمات، والأرباح المُتَوَقَّع تحقيقها، والعقبات التي قد تعترضه قبل وخلال التنفيذ، وظروف السوق وطبيعة المُنَافسَين؛ وضعهم السوقي، وجودة الخدمات أو المنتجات التي يقدِّمُونَها، والتطلُّعَات المستقبلِيَّة التي يطمحون لبلوغها.
"الاحتراق الوَظِيفِيّ" أحد أهم مسبِّبات فشل المشاريع الناشئة
آليَّة اختيار فريق العمل من العوامل المُؤَثِّرَة أيضًا في نجاح أو فشل المشاريع الجديدة، فتعيين العناصر البشرية مُتَنَوِّعة المهارات والخبرات، والحرص على تحقيق التجانُس وتيسير التواصل بينهم، يبثّ الثقة داخلهم ببعضهم البعض ويوفر بيئة عمل إيجابيَّة، تدفع المشروع للأمام. لكن ذلك لا ينفي أهميَّة التعامل الإداري الجَيِّد مع هذه العناصر ومنحها الثقة والصلاحيَّات الكافية للإبداع وتنفيذ المهام دون قيود، فالعمل هو جُهْد جَمَاعِيّ موحَّد لا يمكن أن يتحمّل مسؤوليته فردٌ واحدٌ، بل فريق عمل قَوِيّ ومتجانس من خبرات مُتَنَوِّعَة يجتمع حول هدفٍ واحدٍ.
وهذا يقودنا إلى التأثير السلبي الكبير للاحتراق الوَظِيفِيّ كأحد أهم مسبِّبات فشل المشاريع الناشئة؛ لأن الاهتمام بسير العمل على حساب حالة العاملين يَخْلُق أجواءً سلبيَّةً داخلهم تجاه العمل ويُفقدهم الثقة بأنفسهم وأدائهم، ويعيق وصولهم إلى أهداف المشروع وبالتالي فشله.
تؤدي العلاقات العامة كذلك دورًا بالغ الأهمية في رسم الصورة الذهنيَّة عن المشاريع الناشئة، فلا تَقِلُّ تأثيرًا أبداً عن التمويل أو التَّسْوِيق، إن لم تفوقهما أهميّةً؛ إذ تُعدُّ المُعَبِّر الأبرز عن شخصيَّة هذه المشاريع، بصرف النظر عن حجمها أو طبيعة نشاطها، وبالتالي فإن الإدارة الجيدة للعلاقات العامَّة- داخليًّا وخارجيًّا- تساهم في تشجيع العاملين على الإبداع، وإحساسهم المستَمِرّ بأهميتهم لدى المؤسَّسة، وجذب العملاء والمستثمرين ما يقود في النهاية إلى استمرار المشروع ونجاحه.
العميل في مقدِّمَة أولويات أصحاب المشاريع الناشئة
العملاء من أهم عوامل نجاح أو فشل المشاريع الناشئة، لأنهم الجمهور المستهدف من المخرجات النهائية لها، فيُعدُّون بذلك أكبر مساهم في تشكيل مصير هذه المشاريع إما بالاستمرار أو التَّوَقُّف، لذلك فإن تَجُاهلهم وعدم احترام حاجاتهم ورَغَبَاتهم، أو تقديم مُنْتَجَات وخدمات ذات جودة رديئة أو بأسعار مبالغ بها، هو بداية النهاية للمشروع الناشئ، وينعكس ذلك في صورة فَقْد شغفهم تجاه اقتناء هذه المنتجات أو الخدمات، وهروبهم إلى المنافسين، وانخفاض سريع ومتتالي في معدلات المبيعات.
من هنا، يجب الالتفات لأهمية أن يكون العميل هو الأولويَّة الأولى لدى أصحاب المشاريع التجاريَّة وليس تحقيق الربح، فالحرص على المتابعة الدائمة للعملاء والتواصل معهم قبل وبعد الشراء، والاستماع لمشاكلهم باحترام وصدق والسعي الحثيث لحلّها، ورصد تطلعاتهم والتنبؤ برَغَبَاتهم المستقبلية، وتقديم خدمات ومنتجات جَيِّدَة ومُتَطَوِّرَة تراعي تلك الاحتياجات، سيُسْهم دون شكّ في كسب ثقتهم وولائهم، وزيادة قاعدة العملاء باكتساب آخرين جُدد، وزيادة المبيعات بصورة ملحوظة، وتوسيع النشاط التجاري، والتفوق على المنافسين.
التَّحَدِّيَات القانونيَّة
ومِثل العامل المادي، يُشكِّل العامل القانوني والتعقيدات الروتينيَّة أيضًا أحد أبرز الأسباب لفشل المشاريع الناشئة، ومن أجل التغلُّب على هذه التَّحَدِّيَات القانونيَّة يُمكن دراسة الإجراءات القانونيَّة جَيِّداً قبل البدء بالمشروع، والتأكُّد من عدم مخالفة النشاط التجاري للوائح القانونيَّة المعتمدة في مَحَلّ التنفيذ، وهنا قد تكون الاستعانة بفريق قانوني متخصِّص أكثر فاعليَّة لتجنُّب أكبر قَدْرٍ من المشكلات القانونيَّة واحتماليَّة تَوقُّف المشروع وخسارة التمويل.
ختاماً نؤكِّد أن أيّ مشروع ناشئ بمثابة البَذْرَة التي لا بُدّ أن يتمّ انتقاؤها بعناية تامَّة، ثم غرسها في بيئة ملائمة، ثم رعايتها رويداً رويداً حتى تُؤتِي ثمارها وتُحقِّق أهدافها.