ما كنت راغبا بالكتابة في هذا الامر ولا احب الدخول في هذا الباب لاننا كمسلمين اسوياء نعلم تمام العلم ان ديننا الاسلامي الحنيف جاء ليتمم مكارم الاخلاق وجاء ليعزز قيم الانسانية الحقة وزرع فينا عقيدة احترام الأخر المختلف عنا سواء بالعرق او الدين, فهذا الدين هو ذاته الذي جاء قرآنه في احدى سوره ليقول للناس كل الناس "لكم دينكم ولي دين" مؤكدا على حق الامم والناس وحريتهم في اعتناق الدين ومذكرا الناس جميعا والمسلمين خاصة بانه لا إكراه في الدين.
ولكن ما المسه ولمسته عبر سنوات عمري ان كثيرا من الاشياء الواضحة تحتاج الى التوضيح كلما (دق الكوز في الجرة) فبالامس القريب حادثة نيوزيلندا الشهيرة واليوم حريق "كتدرائية نوتردام" مثل هذه الحوادث تثير حوارات ونقاشات وجدل بيزنطي لا بل وتثير الخلافات بين الاخوة وتخلق حالة من التحزب والتخندق والانقسام تترجم فكرا عقيما مريضا لدى بعض ابناء الامة العربية من مسلمين ومسيحيين يساهم بشكل كبير في تعزيز الانقسام والفرقة وتكبير الهوة وتعميق الفجوة بين ابناء الامة العربية الواحدة وبالنهاية المستفيد الوحيد من هذه المهاترات هي اسرائيل وحلفائها في العالم.
اذ مع كل حادثة او كارثة طبيعية تحدث في احدى العواصم الغربية نرى بعض المسلمين العرب و(اؤكد على مفردة بعض) بالنيل من الغرب دولا و افرادا ودينا وتاريخا لا يميز بين ما هو جائز وما هو غير جائز في شرعنا وديننا مشحونا بمواقف سياسية مسبقة تجاه فرنسا وبريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الامريكية لاحقا وكل هذا ليس كما يعتقد الاخوة العرب المسيحيين لحقد على الديانة المسيحية (واكاد اجزم ان غالبية العرب والمسلمين يشاركونني الرأي) لا سمح الله وانما نتيجة مواقف سياسية لهذه الدول اوصلتنا الى ما نحن فيه من ضعف وتخلف, لا بل ان هذه الدول نفسها لا زالت تمعن في سياساتها التي تقودنا من انحدار الى انحدار اكبر ومن تراجع الى تراجع اعمق ونحن نلهث وراء سمومهم التي تزيد فرقتنا و تخلق الفتنة في جسد امة انهكتها الجراح.
واستغرب هنا واستهجن بعض مواقف الاخوة العرب المسيحيين الذين يشرعون في مهاجمة اخوتهم من العرب المسلمين ويبدأون في كيل تهم (الدعوشة) لهم نتيجة ما يكتبوه هنا وهناك على مواقع التواصل فرحا وشماتة باي حادثة او كارثة طبيعية تحدث في دول انهكتنا بسياساتها العنصرية واستنزفتنا واستغلت كل مواردنا وقسمتنا ولا زالت تسعى الى مزيد من الفرقة والتقسيم بيننا وانا هنا لا ابرر اي نوع من الشماتة وارفض كل سلوك لا ينسجم مع اخلاقنا ولا يحترم انسانية الانسان مهما كان عرقه ومهما كانت ديانته وبغض النظر عن اي اختلافات معه خاصة اذا ما علمنا ان من يكتب ضد هذه الدول فرحا او متشمتا ليس من قادة الراي و لا من اصحاب الثقافة الواسعة في المجمل و ان كان بينهم من هو متطرف فهو امر طبيعي و وارد في كل المجتمعات في زمننا بغض النظر عن العرق او الدين.
وعود على بدء فان استغرابي لانهم لا يفرقون ما بين موقف ديني وموقف شعبي سياسي وهم نفسهم كحال اخوتهم في الدول العربية تضرروا من هذه السياسات الحمقاء وهم نفسهم ساهموا في مقاومته دفاعا عن اوطانهم ولكم في "جول جمال" في العصر الحديث خير مثال على ما اقول, وجلكم يعرف هذا الشاب العربي السوري المسيحي الذي قدم روحه فداء لامته العربية ودفاعا عن مصر العروبة عندما نفذا عملية فدائية ضد المدمرة الفرنسية (جون بار) ودمرها واستشهد هو وخلد اسمه في التاريخ وفي ذاكرة العرب جميعا (مسلمين و مسيحيين) وضرب اروع الامثلة في الاقدام والتضحية من اجل الامة ككل لا من اجل الوطن فقط.
خلاصة الحديث اننا كمسلمين نرفض رفضا قاطعا اي نوع من الشماتة والفرح بمصيبة غيرنا ونحترم الارث الانساني والمورثات الدينية لكل الشعوب والامم وفي الوقت نفسه نرى اخوتنا المسيحيين العرب واصحاب اي ديانة اخرى نراهم جزءا اصيلا في نسيج الامة العربية والشواهد كثيرة لا تحتاج للذكر ولا يمكن حصرها, فارجو ان لا تنتقلوا مباشرة الى خندق الدفاع عن دول غرست خناجرها في ظهورنا ولا زالت بحجة الدفاع عن الدين لانكم اخوة اعزاء تعيشون معنا وتكابدون ما نكابد وتعانون ما نعاني من ظلم امريكا وغيرها من الدول التي تعلمون علم اليقين انها تقع صريعة الصهيونية العالمية التي لا تكن الاحترام لا للمسلمين ولا للمسيحيين لا بل ان كثيرا من المفكرين والمثقفين الغربيين الموضوعيين دفعوا ثمن مواقفهم الداعمة لقضايانا العربية لانهم يعرفون ويقرون بان مواقف دولهم السياسية ليست الا استرضاء للصهيونية العالمية و خوفا من بطش اليهود بهم وبمستقبلهم السياسي فراحوا يجاملونهم درءا لشرهم و فسادهم الذي لا يستثني اي امة من الامم .
واذا كان البعض يعتقد بوجود قواسم مشتركة مع الغرب فان اليمين المتطرف الذي تمثله بعض الاحزاب في اوروبا الغربية هذا اليمين المتطرف متمسك بالهوية والعرق اكثر من الديانة وينبذ كل ما هو غير وطني بغض النظر عن الدين ويعتبر الوريث الشرعي للحركات الفاشستية المتطرفة التي انهزمت في الحرب العالمية الثانية ومعروف عنه اعتماده على العرق محددا وايديولوجية في التعامل مع الآخر.
فيا معشر العرب رصوا الصفوف وانبذوا الفرقة واقتلوا اي راس للفتنة في مهدها, فالعرب جميعا يبحرون في مركب واحد وسيواجهون قدرا واحدا شاءوا ام ابوا.