بيوت الزينكو: نظرة إنسانية للمخيمات
نضال منصور
15-09-2009 06:33 AM
** كان المخيم وما يزال بالرغم من معاناة أهله بيئة للإبداع في العمل الطوعي والخيري والرياضي ..
"بيوت الزينكو لا تقي من برد الشتاء ولا من حر الصيف، وبين بيوت الصفيح حكايات وقصص إنسانية لا يمكن أن تنساها، وستظل غصة كلما تذكرتها" ...
هكذا بدأ وجيه عزايزة يروي لي قصة المخيمات الإنسانية بعيداً عن وجع السياسة وإشاعاتها.
تعاوده صورة عائلة تسكن مخيم حطين كان قد زارها قبل عامين، المشهد لا يبارحه.. فالماء يدلف داخل بيت الصفيح من كل مكان، وهم يفترشون "جنبيات" عفّى عليها الزمن، والأطفال يلتفون حول أمهم لعلهم يشعرون بدفء من الصعب أن يعرفوه.
مدير دائرة الشؤون الفلسطينية وجيه عزايزه، يفضل أن يتحدث عن الجانب الإنساني من قصة مخيمات اللاجئين والجهود التي تبذل من الدولة الأردنية ووكالة غوث اللاجئين "الأونروا" لتحسين ظروفهم المعيشية.
وحسب معلوماتهم فإن اللاجئين الفلسطينيين يبلغ عددهم في الأردن حالياً مليون و930 ألفاً، يعيش منهم داخل المخيمات الثلاثة عشر ما يقارب 400 ألف.
"نعمل بجد ونقدم كل ما نستطيع ونأمل أن ننتهي بعد عامين من بيوت الزينكو"، هذا ما يتمناه العزايزة، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فالمخيمات معاناة إنسانية تحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لتذليلها، ورغم كل ما يقدمه الأردن ووكالة الأونروا فإن الوضع يبقى صعباً وقاسياً.
وترسم "شبكة الأنباء الإنسانية" التابعة للأمم المتحدة صورة درامية للمخيم من الداخل فتقول "إن أبرز التحديات المعيشية في المخيمات هي ما تسميه "البراكيات" بسقوف الزينكو، وتفتقر هذه المساكن التي تبنى من الطوب للنواحي الصحية، ما يضعف صمودها أمام عوامل الطقس خاصة في فصل الشتاء، حين تتسرب الأمطار من أسقف الزينكو وتشقق الجدران مخلفة بركاً مائية تتوسط المنازل لأيام قبل أن تزول لعدم وجود التهوية".
المشكلة الأبرز للمخيمات أنها بنيت على أراض محدودة غير قابلة للتوسع الأفقي، فيما تضاعفت أعداد اللاجئين الذين يقطنونها 4 مرات.
معدل الأسرة في المخيم 6 أشخاص ومساحة البيت في كل الأحوال لا تزيد عن 85 متراً مربعاً.
المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين "بديل" يقدر نسب البطالة في المخيمات بين 18 ـ 20% في حين تبلغ نسبة الفقر 31% بشكل عام، وتصل في مخيم غزة "جرش" الأكثر فقراً وعوزاً إلى 39%.
مخيما السخنة وغزة هما الأكثر بؤساً، ويصف أحد التقارير واقع مخيم جرش أي غزة بالقول: "المياه العادمة تجري في قنوات صغيرة تتعرج داخل المخيم لعدم وجود شبكة صرف صحي .. فالمخيم يربض فوق آلاف من الحفر الامتصاصية تحت المنازل".
علي الجبالي يقول لشبكة الأنباء الإنسانية "لقد اضطررت للخروج مبكراً من المدرسة حتى أشكل مصدر دخل لعائلتي المكونة من ستة أفراد وعلى رأسهم أب عاجز أصيب منذ عمر النكبة بطلقات نارية إسرائيلية أعطبت قدمه فأقعدته عن الحركة".
وحالة عائلة الجبالي ليست أسوأ من حال آلاف العائلات المستورة التي لا تجد "الكاز" للتدفئة من البرد القارص، ولا تجد أحياناً ما يسد جوع أطفالها.
دائرة الشؤون الفلسطينية تؤكد على لسان مديرها بأنه لا توجد مخيمات من دون كهرباء أو ماء في الأردن، وكلها بها شبكة صرف صحي باستثناء مخيمي جرش والسخنة بانتظار الانتهاء من محطة التنقية.
وشوارع الأسفلت أو الباطون وصلت لكل المخيمات من المخصصات والأموال التي رصدت في حزمة الأمان الاجتماعي.
بيوت الزينكو تبلغ 2600 وحدة أنجز بناء 1100 بديل عنها، حيث يجري حالياً المزاوجة بإضافة بناء أسمنتي لمن ما يزال يسكن بيوت "الزينكو".
لا توجد أرقام دقيقة لما أنفق لتحسين بنية المخيمات، لكن ما توفر لنا يشير إلى صرف 30 مليون من حزمة الأمان الاجتماعي بعد عام 2000، وأنفق 13 مليونا على مشاريع الطرق خارج مخيم البقعة، و6 ملايين للمساكن، هذا عدا عن المكارم الملكية التي كان آخرها 350 مقعداً للتعليم الجامعي.
الحديث عن المشكلة المالية التي تواجهها الأونروا وتخفيض ميزانيتها يضاعف من الأزمة، فما تقدمه الأونروا للاجئين في الأردن سنوياً يبلغ 110 ملايين على التعليم والصحة والإغاثة، فمدارس الأونروا لا تغطي سوى 30% من أبناء اللاجئين، والخدمات الصحية الأولية، وتعطي إغاثة لكل أسرة مسجلة لديها 35 ديناراً كل ثلاثة شهور.
ما تنفقه الحكومة الأردنية على خدمات البنية التحتية للمخيمات يبلغ حسب بعض التقديرات والإحصاءات 300 مليون دولار سنوياً.
الواقع والظروف المعيشية للاجئين في المخيمات بالأردن بالتأكيد لا يمكن مقارنتها بالظروف الإنسانية الصعبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان على سبيل المثال، ولكن التحديات الإنسانية في كل يوم تتزايد والإعانات والمنح والمساعدات تتراجع، وما يقدم لهم لا يكفي لحياة كريمة.
صورة المخيم ظلت في الوجدان رمزاً للكفاح، وهناك من سعى إلى تشويه هذه الصورة النضالية، وربطه ببؤر الجريمة رغم أن كل الأرقام الأمنية تؤكد أن معدلات الجريمة فيه لا تفوق أي مدينة.
لا يلتفت كثيرون إلى أن المخيم بالرغم من معاناة أهله كان وما يزال بيئة للإبداع في العمل الطوعي والخيري وبالتأكيد الرياضي، وصدق محمود درويش حين قال "مخيماً ينمو وينجب زعتراً ومقاتلين".
مر 61 عاماً على معاناة اللاجئين، تبدلت أشياء كثيرة، ولكن مالم يتغير ولن يتغير هو حقهم في العودة والتعويض التي تقرها كل المعاهدات والمواثيق الدولية، والشيء الآخر أن قصتهم ستظل الشاهد على جرائم الاحتلال الإسرائيلي