كل عام وانتم بخير .. فمن أين يأتي الخير؟
بلال حسن التل
15-09-2009 04:01 AM
أيام قليلة وينقضي شهر رمضان ، ونتبادل التهاني بالعيد متمنين ان يعيده الله علينا وعلى أمتنا بالخير والبركة. وبأن تكون بحال أفضل مما هي عليه. رغم أننا نتبادل هذه التهاني والدعوات كل عام ، فان الراصد لواقع الأمة أفراداً وجماعات ، لا يحتاج إلى كبير جهد ليكتشف ان أوضاعها تزداد سوءًا مما يعني ان دعواتنا غير مستجابة. وهذا أمر طبيعي ومنطقي ، ويتفق مع المنطوق القرآني والنبوي. فكلاهما القرآن الكريم والحديث النبوي ، اشترطا على المسلم ان يقرن القول بالعمل. بل ان من علامات غضب الله بل كرهه الشديد ان يقف المرء عند حدود الكلام ، ولا يترجم قوله الى عمل «كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون» وفي الحديث النبوي «أعقل وتوكل». وكثيرة هي آيات الكتاب وأحاديث النبوة التي تؤكد على العمل وتحث عليه. خلاصة القول: إن واقع أمتنا لن يتغير ، ما دام ابناؤها يتوقفون عند حدود الكلام والدعاء. ولا يحولون كلامهم الى مواقف عملية. وتحويل الكلمة إلى عمل أهم شروط التغيير الاجتماعي على صعيد الفرد والجماعة وفق المنطق القرآني أيضاً «ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم» وعليه فإن دعواتنا وتمنياتنا بان يعود رمضان القادم بحال أفضل من هذا الحال لن تجدي نفعاً خاصة واننا فرغنا عباداتنا من جوهرها ومن معانيها وحولناها إلى مجرد حركات جسدية لا روح فيها. وأول ذلك رمضان الذي نودعه بعد ان تعاملنا معه على انه شهر كسل واسترخاء وجشع واستغلال ، وكل تصرفاتنا تدل على ذلك :
ہ ففي تاريخنا كان رمضان شهر الجهاد وطلب ذي الشوكة. ففيه بدر وفيه فتح مكة ، وفيه كل الانتصارات الكبرى في تاريخ الاسلام والمسلمين. أي ان المسلمين لم يكونوا يقضون أيام رمضان كسالى متعبين كما نفعل اليوم. بل كانوا يقضونه فوق ظهور الخيل وعلى وقع حوافرها وعلى صوت سنابكها وبين وميض السيوف والرماح. ہ وفي تاريخنا ، إن رمضان كان شهر الفتح والتحرير. أما في حاضرنا فالقدس محتلة ونحن نوافق على ان نستثنيها من المفاوضات. ونسلم عملياً بانها عاصمة أبدية لعدونا بل لا نكتفي بذلك فنوفد وفوداً إعلامية وغير إعلامية إلى القدس ، التي تشهد أبشع هجمة استيطانية ينفذها عدونا. الذي لا يتردد بعضنا في تقديم يد العون له ضد مقاومة أمتنا لعدوانه ، سواء في فلسطين أو لبنان. تماماً مثلماً لا يتردد هذا البعض في السعي لخلق عدو بديل لهذا العدو الذي يحتل أرضنا ويدنس مقدساتنا.
ہ وفي تاريخنا ، أن المسلمين كانوا يقضون ليالي رمضان أما حراساً لثغور الاسلام والمسلمين واما عباداً يتدبرون معاني القرأن ودلالات الصلاة والصيام. أما نحن فنمضيه في خيم سميت زوراً وبهتاناً بالخيم الرمضانية. مع ان لا شيء فيها يمت لرمضان بصلة. بل على العكس من ذلك فإن كل ما فيها يعادي رمضان ويناقضه. ومن لا يمضي رمضان في هذه الخيم يمضيها أمام شاشات التلفزيون متابعاً للمسلسلات التي تتحدث عن الحشيشة والحشاشين ، وسير الراقصين والراقصات ، والمطربين والمطربات. إلا من رحم ربي. ہ وفي عقيدتنا: إن رمضان شهر الجود والكرم ، والاحساس بالفقير والمسكين ، وحفظ كرامته ، وعفة نفسه. وها نحن نحول فقراءنا ومساكين بلادنا الى وسيلة للإعلان لنبني من خلال بؤسهم وفقرهم صورنا الاعلامية المخادعة غير مبالين بكراماتهم ولا بعفة أنفسهم. فقد صار الاحسان رياء وصار البر نفاقاً.
ہ وفي عقيدتنا ، إن رمضان شهر الرحمة والتراحم. وها نحن نحوله الى شهر الجشع والاحتكار ومص دماء الناس. وإلا بماذا نفسر هذا اللهيب الذي يدب بأسعار ضروريات الناس فيأكل الأخضر واليابس منها ويبقى فقراء الناس أعجز من تأمين قوت يومهم بفعل جشع التجار وتواطؤ الحكومات معهم؟.
ہ وفي عقيدتنا ، إن رمضان شهر التقشف والزهد. وها نحن نحوله الى شهر النهم والبذخ. فتعمر موائدنا بما يفيض عن حاجتنا أضعافاً مضاعفة ، يكون مصيرها الى حاويات القمامة التي تتزايد في رمضان وتتزايد معها ذنوبنا وأثامنا. ہ وفي عقيدتنا ، رمضان شهر الحلم والصفح وسعة الصدر وها نحن نحوله الى شهر التوتر والعصبية والاساءة للناس وتحمل ذلك كله للصيام والصيام منه براء. ہ وفي عقيدتنا ، إن رمضان كسائر عباداتنا أول دلالاته انه شهر الوحدة بين أبناء الأمة كلها. يصومون معا ويفطرون معا ويستقبلون العيد معا. وها نحن نحوله الى شهر الفرقة ، فتختلف مواعيد الصيام داخل البلد الواحد. بل وداخل المدينة الواحدة. بل وداخل الحي الواحد. وفيه يعتلي بعض المحسوبين على الاسلام منبر رسول الله داعياً للفتنة بين المسلمين محرضاً عليها. وبعد ، فها نحن نودع رمضان ونتمنى ان يعود علينا ونحن بخير فمن أين يأتي الخير إن لم نبدل ما في أنفسنا من عجز وخور وجشع وطمع؟ ومن أين يأتي الخير إن لم نستوعب ماذا يعني رمضان بل ماذا تعني كل عباداتنا؟. عندما نفعل ذلك كله ونستوعب ذلك كله نستطيع القول كل عام وانتم بخير.
اللواء.