للحق نقول دفاعاً عن مبدأ سيادة القانون بأن مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب موظفون عموميون
انطلاقا ً من رد معالي رئيس ديوان التشريع والرأي على كتاب معالي وزير المالية رقم ش ق 6684/2019 تاريخ 26/2/2019 المتضمن طلب بيان الرأي حول مدى استحقاق قضاة المحكمة الدستورية لبدل إجازاتهم السنوية , والذي انتهى فيه إلى أن أعضاء المحكمة الدستورية ليسوا موظفين عموميين مستندا في رأيه هذا إلى أن مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب ليسوا موظفين عموميين , وذلك بمقتضى الكتاب المرفوع منه لدولة رئيس الوزراء رقم (د ت /1/1/172) تاريخ 4/6/2014 , وبالنظر لان معاليه قد جرّد أعضاء المحكمة الدستورية من صفتهم كموظفين عموميين وكنا قد استعملنا حقنا الدستوري المقدس في الرد عليه مفندين ما استند إليه من حجج , باستثناء حجته المتمثلة في قياس أعضاء المحكمة الدستورية على مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب وتجلية للحقيقة , لأنه لا عدل بغير حق ولا حق بغير حقيقة , ولا حقيقة بغير تحقيق قولي أو عملي .
فإننا نرى بأن أعضاء الهيئة المستقلة للانتخاب هم أيضا موظفون عموميون للأسباب التالية :
أولا : إن الموظف العمومي وبمقتضى المادة (2) من نظام الخدمة المدنية رقم 82 وتعديلاته حتى تاريخ 13/21/2018 هو(( كل شخص صدر قرار بتعيينه من السلطة المختصة في وظيفة منتظمة لخدمة مرفق عام تديره الدولة أو احد أشخاص القانون العام )).
وبمفهوم المخالفة . إن الشخص لا يُعد موظفاً حتى ولو مارس المهنة , إذا لم يصدر قرار بتعيينه من السلطة المختصة , وهذا التعريف يتطابق مع القرار الصادر عن المحكمة الدستورية بتاريخ 24/محرم/ 1436 هـ الموافق 17/تشرين الثاني 2014 الذي حدد الوظائف العامة " بأنها كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبة من الأموال العامة ويشمل ذلك دوائر البلديات وكذلك لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان والنواب " علما بان المحكمة الدستورية قد اقتبست تعريف الوظائف العامة من ذيل المادة( 76) من الدستور.
وفي مقام آخر عرّفت المحكمة الدستورية الموظف العام بأنه " وفق ما يعرفه الفقه والقضاء هو الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو احد أشخاص القانون العام " مما يعني أن الشروط والعناصر الواجب توافرها في الموظف العام هي أن يتم تعيينه من السلطة المختصة بوظيفة دائمة في خدمة مرفق عام تديره الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر من احد أشخاص القانون العام متفرغاً للوظيفة التي تم تعيينه فيها .
فكما تتحقق هذه الشروط في أعضاء المحكمة الدستورية , تتحقق هي الأخرى في مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب , مما يتعين معه القول بأن اي رأي مخالف لذلك يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام بل وأكثر من ذلك يعتبر منعدماً لا وجود له , لأنه ليس صادماً للدستور فقط وإنما متعارضا مع قرارات المحكمة الدستورية وأحكامها , كون هذه الأحكام والقرارات لها قوة الدستور لأنها من صنعه ونسيجه , بالإضافة إلى أن هذه الأحكام ملزمة لسلطات الدولة كافةً وللإفراد عامةً بمقتضى المادتين (59/1) و (15,أ) من الدستور والقانون على التوالي وتكون إحكامها نهائية وملزمة لجميع السلطات وللكافة " بمعنى أنها ملزمة للسلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وللجهات الأخرى من مؤسسات وجهات مهما كان نوعها بالإضافة إلى الأفراد ".
بعد هذا نتساءل ! هل تتحقق هذه الشروط في أعضاء الهيئة المستقلة للانتخاب بموجب قانون الهيئة المستقلة للانتخاب وتعديلاته رقم (11) لسنة 2012 .؟
لا نتردد في الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب , حيث نصت المادة (6/أ) من القانون على أن " يكون للهيئة مجلس مفوضين مؤلف من رئيس وأربعة أعضاء يعينون بإرادة ملكية لمدة ستة سنوات غير قابلة للتجديد " .
في حين نصت ذات المادة في البند (ب/1 )على انه لغايات الفقرة (أ) من هذه المادة " ترفع إلى الملك قائمة بالأسماء المقترحة للتعيين في المجلس يتم إعدادها من لجنة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كل من رئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي " .
أما ذات المادة في البند (6/2) فقد نصت على انه " في حالة شغور منصب رئيس مجلس النواب يحل محله آخر رئيس لمجلس النواب , وإذا تعذر ذلك فيحل محله أخر نائب لرئيس مجلس النواب , في حين نصت الفقرة (ج) على أن ينتخب المجلس من بين أعضائه نائباً للرئيس يقوم مقامه عند غيابه "
وهكذا يتبين بكل وضوح على أن الشرط الأول من شروط تعيين الموظفين العموميين يتحقق بالنسبة لرئيس وأعضاء الهيئة المستقلة للانتخاب , حيث يتم تعيينهم من قبل أعلى وأسمى مرجع مختص في الدولة وهو جلالة الملك بإرادة ملكية سامية وفقا لبنود المادة المنوه عنها أعلاه .
ثانياً : تتولى الهيئة المستقلة للانتخاب مؤلفة من رئيس وأربعة أعضاء إدارة مرفق عام تديره الدولة لإدارة الانتخابات النيابية والبلدية , وأي انتخابات عامة وفقاً لأحكام القانون بمقتضى مادة (4/أ/1) من القانون بالإضافة إلى إدارة اي انتخابات أخرى أو الإشراف عليها يكلفها بها مجلس الوزراء بناءً على طلب الجهة المخولة قانوناً بإجراء تلك الانتخابات , مادة (4/أ/2) من القانون , وعلى الهيئة اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لتمكنها من أداء مهامها بنزاهة وشفافية وحياد , مادة (4/ب) من القانون .
وبهذا يتحقق الشرط الثاني وهو قيام أعضاء الهيئة المستقلة بإدارة مرفق عام وهو مرفق الانتخابات النيابية والبلدية , والمرفق العام وفقا لما استقر عليه الفقه والقضاء لا يعدو كونه مظهراً من مظاهر تدخل الدولة في سبيل إشباع الحاجات العامة للأفراد( ) , وفي نفس المعنى عرّف الدكتور محمد فؤاد مهنا المرافق العامة في قوله : " مشروعات تنشئها الدولة أو تشرف على إدارتها وتعمل بانتظام واستمرار مستعينة بسلطات الإدارة لتزويد الجمهور بالحاجات العامة التي يتطلبها , لا بقصد الربح بل بقصد المساهمة في صيانة النظام وخدمة المصالح العامة "( ) .
ثالثاً : شرط التَّفرغ : لقد اشترط قانون الهيئة المستقلة للانتخاب التفرغ للمفوض والأمين العام بمقتضى الفقرة (ب) من المادة التاسعة من القانون , في قولها " على المفوض والأمين العام التفرغ لأعمال الهيئة وأنشطتها وان لا يكون اي منهما موظفاً في القطاع العام أو الخاص أو تاجراً أو عضواً في هيئة مديري أو مجلس إدارة اي شركة أو رئيساً أو عضواً في مجلس اي مؤسسة عامة أو خاصة وان لا يقوم باي عمل مقابل اجر لصالح اي جهة مهما كانت صفتها .
رابعاً : شرط استحقاق المفوض الراتب مقابل الوظيفة : حيث أن الراتب لا يتقاضاه الا الموظفون الذين يشغلون وظائف عمومية ويقصد بالوظائف العامة بمقتضى المادة (76) من الدستور " كل وظيفة يتناول صاحبها مرتبة من الأموال العامة ... الخ " , وان المفوضين من الهيئة المستقلة للانتخاب تبعاً لذلك , يتقاضون رواتبهم من الأموال العامة بمقتضى المادة (7/أ) من القانون في قولها " يتقاضى الرئيس الراتب والعلاوات المقررة لرئيس محكمة التمييز بمقتضى أحكام التشريعات النافذة " , في حين نصت الفقرة (ب) من هذه المادة على أن " يتقاضى عضو المجلس الراتب والعلاوات المقررة لنائب رئيس محكمة التمييز بمقتضى أحكام التشريعات النافذة ", والمقصود بالتشريعات النافذة , التشريعات المطبقة على رئيس محكمة التمييز ونوابه اللذين يتقاضون رواتبهم وعلاواتهم هم ايضا من الأموال العامة , وهذا الأمر يجعل رئيس مجلس مفوضي الهيئة في منزلة رئيس محكمة التمييز من حيث تقاضي راتبه وعلاواته من الأموال العامة , كما أنه يجعل أعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة في منزلة نواب رئيس محكمة التمييز من حيث كونهم موظفين عموميين تنطبق عليهم التشريعات المالية النافذة بحق رئيس محكمة التمييز ونوابه , فلو لم يتم وضع رئيس المجلس وأعضائه في منزلة قضاة محكمة التمييز لما سوّى القانون بينهم جميعاً في تقاضيهم للرواتب والعلاوات وفق أحكام التشريعات النافذة , ولكان قد سوّى بينهم وبين نظرائهم من رؤساء مجالس إدارة الشركات العاملة في القطاع الخاص .
خامسا : وحيث انه لا يحصل على التقاعد سوى الموظفين العموميين ولا تحسم أية عائدات تقاعدية شهرية من رواتبهم الا إذا كانوا موظفين عموميين وهو ما يتم بالنسبة لأحد المفوضين في الهيئة المستقلة للانتخاب وهو القاضي السابق في محكمة التمييز الموقرة سعادة السيد نايف الابراهيم , حيث يتم حسم عائدات تقاعدية من راتبه الشهري الذي يتقاضاه من مخصصات الهيئة المستقلة للانتخاب اي وهو مازال على رأس عمله الحالي.
أستاذ القانون الجنائي / في الجامعات الأردنية
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية لعام 1993
عضو محكمة التمييز الأردنية سابقا
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء و التشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية الأردنية سابقا