منذ يومين تلقيت دعوة للمشاركة في إشهار ائتلاف جديد لعدد من المنظمات الأهلية العاملة في الحقوق والحريات.. وفي طريقي لموقع الاحتفال مر ببالي عشرات الأسماء لمنظمات وشخصيات واحتفالات ومؤتمرات وندوات وانشطة شاركت في فعاليتها او كان لي اطلالة على برامجها دون ان اتذكر شيئا من انجازاتها الفعلية الملموسة. وبلا مقدمات قفزت إلى مخيلتي صور الانجازات التي حققها الصهاينة الذين استولوا على ارضنا وطردوا اهلها وتحكموا في قرارات العالم بعد ان جلسوا وخططوا وتآمروا قبل ما يزيد على قرن وربع القرن فلم تتغير خططهم بالرغم من تغير القائمين على تنفيذها.
الصهيونية العالمية تفوقت على الكثير من مجتمعاتنا بقوة التنظيم ووضوح الاهداف والتقسيم الدقيق للمهام والمكاشفة والمراجعة الدورية للاهداف الموضوعة ومستوى الانجاز الذي تحقق والعقبات التي تعترض تنفيذهم للاهداف والاستراتيجيات الضرورية لتخطي العقبات. منذ ان صاغ الصهاينة بروتوكولاتهم واعلنوا عن اهدافهم واستراتيجيات العمل لتحقيقها وهم يحشدون الموارد ويتقاسمون المهام ويراكمون الانجازات دون الالتفات للاستجابات التي لا تعدو في معظمها الادانة والاستنكار والتنديد.
المنظمة اليهودية العالمية التي تأسست منذ القرن التاسع عشر وجمعت جهود اليهود وامكاناتهم حول الاهداف القومية لليهود ما تزال تعمل بوضوح وثبات وسط هدير الخطابات العربية والقرارات الاممية ومشاعر الاستياء العربية وبيانات القلق والادانة والاستغراب العربية.
حتى اليوم لم تظهر في سماء العالم العربي منظمة واحدة بأهداف قومية محددة يجري العمل على تحقيقها بأطر زمنية معلومة ومع ذلك ما تزال المنظمات والجمعيات والائتلافات تتزايد في بلادنا بمتوالية يصعب ضبطها. ولا أظن ان احدا يعارض هذا التوجه او يشكك في النوايا الحسنة لمن يؤسسون هذه الجمعيات او يسعون لتشكيل الائتلافات وينحتون لها الاهداف والشعارات.
المشكلة في التنظيمات العربية انها تنشأ في مجتمعات لا تعطي اهمية لما يمكن ان يقوم به الافراد فالاعضاء قوة معطلة لا قيمة لوجودها. في كافة التنظيمات التي تؤسس في بلادنا تحل الخطابة والاقوال محل الانجازات والافعال وينظر للقول على انه فعل.
في الحالات التي يتطور فيها الوعي وتسعى المجتمعات الى تأسيس تنظيمات ديمقراطية قائمة على الكفاءة والقدرة والاستعداد تتدخل القوى التقليدية لإجهاض المحاولة وشيطنتها وافشالها. لحرمان المجتمعات من التغيير الحقيقي تقوم مؤسسات متخصصة بجهود استباقية لتشويه التجربة وقتل الامل وإضعاف الدافعية من اجل العودة إلى البنى التقليدية وتحنيطها باعتبارها الشكل الامثل لما ينبغي ان تكون عليه العلاقة بين الافراد والمكونات والادوار.
الهدر في الوقت والطاقة والمال يرتب أعباء اضافية على المجتمعات التي تؤسس آلاف الجمعيات والتنظيمات والمجالس والنقابات والهيئات غير المنتجة فجميعها بلا وظائف وبلا تأثير، تهدر الطاقة وتبدد الموارد وتجهض محاولات النهوض لحساب الابقاء على النظم والبنى التقليدية.
على خلاف ما هو سائد في عالمنا العربي ينظر لهذه للتنظيمات الاهلية على انها تعبير عن حيوية المجتمع ورغبة المشاركة في البناء والتنظيم وحرص الناس على وضع امكاناتهم وطاقاتهم في خدمة المجتمع واغراضه وحل مشكلاته وتجنيبه الكوارث والازمات.
يعود تاريخ التنظيمات والجمعيات والروابط الى بدايات التحضر وتشكل المدن لكنها اتسعت واصبحت واسعة الانتشار بعد الثورة الصناعية وبالتزامن مع تحسن مستويات التكنولوجيا وزيادة الانتاج والدخول في العصر الصناعي حيث برزت الحاجة الى مزيد من التخصص والدقة في تقسيم العمل و ظهور المهن التي تحتاج الى تنظيم ولمجابهة بعض المشكلات الناجمة عن تغير علاقة الانسان بالمكان والاسرة والاقتصاد وما نجم عن ذلك من انكشاف لبعض الفئات والجماعات الاكثر حاجة للحماية والرعاية والتوجيه.
اليوم وايا كانت الانظمة السياسية ومهما كانت الامكانات الاقتصادية والقدرات التي تملكها الدول لا يوجد مجتمع قادر على التقدم والتحديث والتنمية دون مشاركة الاهالي وتأييدهم وتحملهم لجزء من المهام والمسؤوليات التي يتطلبها النهوض والتقدم.
الغد