في برنامج نبض البلد، قدمت حلقة حول صفقة القرن شارك فيها كل من السيدين ماهر ابو طير وعامر السبايلة. وقد قدم كلاهما تحليلاً جيداً وواقعياً عن صفقة القرن. وقد بثت هذه الحلقة قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة يوم التاسع من نيسان (ابريل) وقبل، بالطبع، إعلان النتائج بفوز تكتل حزب الليكود برئاسة بنجامين نتنياهو والاحزاب اليمينية الدينية المتحالفة معه. ولكنهما توقعا له الفوز، وتنبآ بأنه سيقوم بضم المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وأنه ربما يأخذ إجراءات أكثر تشددا حيال القدس الشريف.
وتناول التحليل النتائج المتوقعة على الأردن، والتي ربما تضعه سياسيا واقتصاديا أمام مزيد من الضغوط التي نوه إليها مليك البلاد عبدالله الثاني في مناسبتين خلال شهر آذار (مارس) الماضي، وقد تساءل السيد السبايلة عن طبيعة هذه الضغوط، منوهاً أنه إذا لم نعرفها ولم نطّلع عليها فسنكون أقل قدرة على وضع الوصفات المطلوبة لمواجهتها.
والواقع أن جلالة الملك يتحدث إلى شعبه بأمانة مؤكداً الحقيقة التي يريد الجميع أن يعلمها وهي أن الأردن يتعرض لضغوط على شخص الملك نفسه وعلى الأردن. وبعدما قالها جلالته تحول الإحساس بوجودها إلى يقين كامل بأنها موجودة وتُمارس. وجلالة الملك يحسب مثل هذه الأمور قبل أن يقولها، ويعلم أن الإفصاح عنها بتفاصيل أكثر لن يكون موضع ترحيب من الذين يمارسونها، وقد يسعون لبذل المزيد منها. ولكن المحللين والمتابعين قادرون على التفكر والتأمل فيها.
والخلاصة أن الأردن قد يتعرض اقتصادياً لقطع المساعدات، وإلغاء الضمانات، والإسراع في سداد القروض، ووضع أسماء المعارضين للصفقات على القوائم السوداء، ومنع الأردن من التجارة مع العراق أو أخذ النفط منه، أو إيقاف صادراته للولايات المتحدة، والقائمة طويلة. ولكن يعلم الآخرون أن وضع هذه الضغوط على الأردن له حدود لا يصح تجاوزها لعلمهم بأهمية الاستقرار في الأردن، والعبء الكبير الذي يتصدى له الأردن وتنوء به العصبة من الدول القوية. ولكن إذا أرادوا ان يضعوا ضغوطاً على الأردن وحاجاته فهم قادرون.
ولعل أهم ما يطلب من الأردن أمران. الأول أن يكون شريكاً في ترتيبات إقامة كيان دولة فلسطينية على الأرجح في قطاع غزة ولربما أوسع من ذلك حسب ما تتفق عليه الولايات المتحدة ومصر في ظل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لواشنطن، ووضع ترتيبات أمنية داخل ما يتبقى للشعب الفلسطيني من أرض ومدن في الضفة الغربية، أما الأمر الثاني المطلوب من الأردن فيتعلق باللاجئين الفلسطينيين خاصة من غير حملة الجنسية الأردنية، ولربما أيضاً تصفية المخيمات الفلسطينية.
وقد سبق لمحللين سياسيين من بريطانيا والولايات المتحدة ممن يؤمنون بالتحليل السياسي الواقعي (ريال بوليتيك)، من يتوقع أن موازين القوى في العالم وحتى ربما العام 2024، ستبقى لصالح التحالف الأميركي الصهيوني خاصة فيما يتعلق بفلسطين وإسرائيل. ولذلك، فإن تفكك الصف العربي وانقسام العالم الإسلامي لن يكون مناوئاً بالقدر الكافي لتغيير المسار الذي تسير عليه الأمور خلال السنوات الخمس القادمة.
ونحن الآن أمام واحد من خيارين وكلاهما صعب وعسير تقبلهما. الأولى أن نرفض في ظل النظر لمصالحنا الاستراتيجية على المدى الطويل أو أن نقبل مع قدر كبير من التفاوض الذي يسعى لتقليل المخاطر وتعظيم الفوائد.
وإذا رفضنا، فإن هذا يتطلب إعادة النظر في مجموعة تحالفاتنا وإجراءاتنا وسياساتنا، وأن نحسن اختيار هؤلاء. وهو أمر لن يرضاه الطرف الضاغط علينا، وسيتحرك بسرعة لمنع ذلك. وأقول أن هذا ممكن ضمن حدود ضيقة بدون أن يحدث لنا أضراراً فادحة. وإن قبلنا فإن قبولنا يجب أن يكون ذكياً والتفاوض حوله يجب أن يرقى إلى أعلى مستوى ممكن.
أمامنا هامش من المناورة يتطلب موقفاً شعبياً مسانداً للسياسة التي يختارها جلالته لأن البديلين يمكن أن يكونا متقاربين في نتائجهما إن نحن أحسنا إدارة اللعبة بذكاء وبمعرفة وثيقة لنقاط القوة التي لدينا وإطلاقها بفاعلية كاملة.
الغد