الصباح الأول بعد الأحزاب .. طريق الخروج من الغيبوبة
سامح المحاريق
15-04-2019 03:05 PM
ماذا سيحدث لو استيقظنا صباحاً على قرار يلغي جميع الأحزاب في الأردن؟
تكاد تصل إلى حالة الاتفاق الملاحظات السلبية التي يحملها الأردنيون تجاه الأحزاب التي غدت في حد ذاتها غاية منفصلة عن أي هدف سياسي واقعي يمكن أن يتماس مع حياة المواطن ويعبر عنه سياسياً، فوجود عشرات الأحزاب لا يدلل على حالة حزبية صحية ويمثل بوضوح أحد مواطن الخلل التي تعيق أي محاولة للإصلاح السياسي.
التجول في نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة يعطي مؤشراً لما يجب أن تعبر عنه الحياة الحزبية في نموذج يختلف عن الثنائيات الشهيرة مثل حزبي العمال والمحافظين في بريطانيا أو الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، فالأحزاب التي استطاعت أن تحصل على مقاعد في الكنيست بدأت في عملية جني ثمار عملها السياسي والبرامجي وترجمتها إلى مكتسبات سياسية، وتحت هذه التوليفة تبدو اسرائيل مستعدة لكافة الاحتمالات الخاصة بالتغيرات الوشيكة في المنطقة، فما الذي نقدمه في المقابل سوى التعويل على وعي المواطن الأردني الذي يقف في مواجهة مفتوحة مع مزاج عالمي شديد الصعوبة والسذاجة.
يختلف الأمر في الأردن، فالعدد القياسي للأحزاب الأردنية، ويدور حول رقم 50 حزباً لم ينتج مقاعد نيابية، وبقيت عملية التمثيل قائمة على العامل المحلي الذي يجعل النائب أسيراً لقاعدته الانتخابية ومطامحها ومصالحها المباشرة، دون أن ينتج ذلك نظرة شمولية للتنمية فضلاً عن حالة من العقم في مواجهة الأسئلة الإقليمية، فالنائب يبحث عن وظائف لأبناء دائرته الانتخابية، ويسعى لتعبيد طريق هنا أو إنشاء مركز صحي هناك، ويتناسى أن ما يحصل عليه يخصم من فرص كان يمكن توجهيها لمناطق أكثر احتياجاً أو أولوية.
دور الأحزاب يفترض أن يعمل على المستوى الوطني، وأن يمثل مختلف الفئات الاجتماعية، ولأن خارطة الأحزاب تبدو قاصرة عن التصدي لذلك الدور، كما أن منجزاتها المتراكمة لا تبشر بأي إمكانيات للاضطلاع بالتحديات المطروحة، فإلغاء الأحزاب لن يترك أثراً سلبياً سوى على صورة الأردن الخارجية بينما سيستقبله المواطنون بكثير من الارتياح، لأنه سيعني توفير ملايين الدنانير التي توجه للتنمية السياسية بصورة مباشرة وغير مباشرة ومنها الدعم المالي الذي تتلقاه الأحزاب.
ما الذي سيحدث للحزبيين في هذه الحالة؟
ستعود الأحزاب العقائدية الدينية واليسارية والقومية إلى العمل تحت الأرض، فهذه الأحزاب تمثل فكرة ونموذجاً معيناً يتجاوز فكرة التحدي المحلي نحو احتمالات وجودية أوسع، فالإسلاميون ينظرون للأردن بوصفه جزءاً من أرض الخلافة، واليساريون منشغلون بصراعهم مع الإمبريالية والشركات العابرة للقوميات، أما القوميون فيتطلعون إلى دولة عروبية أوسع، وهذه الشعارات العريضة جعلت من المتعذر على الأحزاب العقائدية بناء برامج فعلية قابلة للتطبيق لأنها ببساطة تتعامل مع مراحل مفتوحة.
ومع ذلك تبقى هذه الأحزاب بذرة ضرورية في حالة التضييق عليها إجرائياً للعمل تجاه الاندماجات التي ستنتج حالات ديمقراطية داخلية بعد مخاض صعب وولادة عسيرة، ولنفترض السيناريو القائم إذ تشكلت حكومة ائتلافية بين القوميين والإسلاميين ونحن في صدد ملفات إقليمية حرجة، لنترك الأمر للمخيلة وهو ترسم التفاعلات في جدل حول مدينة القدس بدلاً من الاستعراضات المجانية التي يصعب تحويلها إلى مواقف سياسية يقوم على أساسها التفاوض والتداول ويعطي الزخم للمواقف الإقليمية.
سيؤثر اختفاء الأحزاب الأخرى على قطاعات غير سياسية كثيرة، فالأحزاب التي تتحلق حول شخص واحد يفترض أنه الأمين العام الطامح لأي منصب أو ترضية ستتحول إلى سهرات مسائية ستستمر لبعض الوقت وبعد ذلك سيفتقد نادي الأمناء العامين للقدرة على الإنفاق المتواصل الذي تغطي الحكومة حالياً جزءاً منه، وسينزعجون من انصراف الصحافيين الذين يتابعون بعض الأخبار لتعبئة صفحات المحليات، وسيضطر رجال النادي تباعاً إلى التحول إلى كتاب صحافيين من أجل الإبقاء على حضورهم في ذاكرة صناع القرار، أو ما حققوه من مكاسب اجتماعية تصلح لحضور الجاهات ومجالس العزاء.
لا يمكن إلقاء اللوم على الأحزاب وحدها، فالحكومة وظفت الحوافز المالية وتناست وجود حوافز سياسية يمكن تقديمها للأحزاب ودمجها في القوانين، كأن يتم اعتماد قوائم حزبية في الانتخابات من الأحزاب التي يزيد عدد أعضائها عن خمسة آلاف عضو مع منح الأحزاب فرصة للحصول على هذه العضوية، مع وجود كوتا حزبية تمثل الحد الأدنى من التمثيل الحزبي، أو أية أفكار أخرى لتحويل الأحزاب من عبء إلى شريك يتحمل جزءاً من مسؤولية بناء الثقافة السياسية اللازمة في موسم للتحولات الكبرى غير القابلة للتأجيل.