عدنان أبو عوده والحــــس المدنـي
السفير الدكتور موفق العجلوني
15-04-2019 01:28 PM
في حوار استراتيجي نظمه مركز (الرأي) للدراسات في المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي) بالشراكة مع كلية الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية بعنوان «الدولة الأردنية على مشارف المئوية الأولى»، على مدار يومي الاربعاء و الخميس 10-11/4/2019 في قاعة المؤتمرات في مبنى كلية الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للدراسات الدولية شارك فيه نخبة من رؤساء وزراء ووزراء سابقين و سفراء و مختصين بالشأنين العام والخاص، تضمن هذا الحوار عدداً من المحاور الهامة منها : هوية الدولة الأردنية ... الأسس والمرتكزات، ومقاربات منهجية نحو الدولة المدنية .. والتحولات الاقتصادية والاجتماعية ... وكذلك السياسة الخارجية الأردنية والمتغيرات الإقليمية والدولية، إضافة إلى محور الأردن رؤية مستقبلية والذي ناقش التحديات التي تواجه الدولة الأردنية والمقترحات العملية في مواجهتها.
جذب انتباهي مداخلة لمعالي الاستاذ عدنان ابو «عودة ابو السعيد «، تناول فيها مصطلح الحسن المدني» Civic Sense» او ما يطلق علية البعض بالسلوك المدني، او كما يسمى بالفرنسية Comportemen Civisme حيث ترك في نفسي شجون للكتابة حول هذا المفهوم، وخاصة كان هنالك صولات وجولات وحوارات واخذ ورد حول مفهوم الدولة المدنية في الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، ووجدت ان هذا المصطلح يصب في صميم الدولة المدنية .
يتكون مفهوم الحس المدني من مستويين: المستوى الفردي، وهو المرتبط بالسلوك الذي ينتجه فرد ما، والمستوى الجماعي، وهو المرتبط بالمجتمع الذي يجري فيه السلوك، بحيث لا يمكن الحديث عن سلوك مدني إلا باعتباره فعلا اجتماعيا لا يستقيم إلا بحضور شخصين فأكثر. وكلمة «مدني» تقودنا الى مظهر من مظاهر السلوك البشري، وهو التمدن والذي اتخذ أبعاداً متعددة مع تطور المجتمعات البشرية على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما أنه مفهوم يرتبط بمفاهيم أخرى تتراكب معه وتتداخل، مثل التربية على المواطنة والتربية على حقوق الإنسان والديمقراطية.
والمقصود بمفهوم الحس المدني يمكن تحديده على مستويين: فتارة يعني مفهوم حس الأشخاص الذين لهم علاقة نوعية بالدولة، وتارة اخرى يشير إلى حس الأشخاص «المواطنين « الذين يقيمون علاقة متمايزة، مع الدولة ويدل على حس الواجبات الجماعية داخل المجتمع.
بنفس الوقت يتم تناول مفهوم الحس المدني من مصادر مختلفة سياسية واجتماعية وعلى ألسنة الكثير من الناس وهي من مصطلحات كثيراً شاعت في ايامنا هذه وخاصة مع طرح الاوراق النقاشية لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله وموضوع الدولة المدنية، وأصبح لها حضورا قويا لدى مختلف الاوساط الثقافية والاجتماعية والنخب السياسية ووسائل الصحافة والاعلام.
في حين غاب عن الكثيرين ان الحس المدني هو قيمة سامية من القيم الاسلامية وهي التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الاثم والعدوان، ومبدأ الرحمة والمأخوذة من الرحمن (فاتحة الكتاب) وهي العلاقة بين الحس المدني وما جاء به الاسلام من قيم ومثل وأبعاد اجتماعية وإنسانية في أحكامه وتشريعاته بحيث يعم النفع العام في النظام الاجتماعي.
فالإسلام هو الذي جعل الشعور والحس بالآخرين والاهتمام بهم من أولويات مبادئه السمحة. التي يدعو إليها وهي الرحمة والإحساس بالآخرين ولا مناص للإنسان من الاجتماع مع غيره من بني جنسه وربطه برباط المحبة والتراحم لأن الحياة الجماعية سنة من سنن الكون وضرورة بشرية ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش في هذا الكون وحيداً او منعزلاً، وأن يكون سيداً فيه دون أن يتعاون مع الآخرين فالإنسان بطبعه يميل إلى التعارف والتعايش والتراحم مع غيره.
وهنا لا بد من التمييز بين الحس المدني والمواطنة. فالمواطنة تعبر عن شخص المواطن، بينما يعبر الحس/السلوك المدني عن المواطن الذي يحترم واجباته وبالتالي لا يمكن أن نفصل الحس المدني عن احترام القانون وتطبيق القانون على الجميع. بنفس الوقت يمكن للحس المدني ألا يكون متعلقا فقط بالجماعة، ولكن أيضا بالفرد: فالشخص الذي ينقذ شخصا آخر من حريق او حادثة او كارثة، والشخص الذي يقدم مساعدة إنسانية لشخص مصاب في حادثة سير او امر ما، يعتبر سلوكه حساً مدنيا. وبالتالي لا يمكن فصل المجتمع المدني عن ظهور وقائع سياسية شكلت منعطفات مهمة في تاريخ الحياة المدنية.
والحس المدني يجب آن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمواطن من حيث المحافظة على الممتلكات الخاصة والعمومية، فكل المصادر والمراجع والنصوص الفلسفية المعاصرة تحدد المواطنة على أنها تتجسد أساسا في احترام الحقوق والواجبات وهذا يعني أن المواطنة هي ممارسة الحس المدني.
إن الصيغة الاخلاقية التي تقول احترم جارك مثلا، والتي أكد عليه الرسول صلى الله عله وسلم الى درجة التوريث، تعني أن المواطنة هي الفعل الذي يأخذ بعين الاعتبار العلاقة مع الآخرين، وبذلك فإن المواطنة ليست سلوكا انفراديا معزولا، إنها المحرك الأساسي الذي تنتج عنه شروط ونتائج العيش الجماعي.
وبالتالي ممارسة المواطنة هي مراعاة المصلحة العامة المشتركة، إنها الممارسة العقلانية للصالح العام، وهدفها الأول احترام الآخرين. المواطنة إذن تقتضي علاقة عمودية للمواطن باتجاه الدولة، وبنفس الوقت هي علاقة أفقية بين المواطنين، وهذه العلاقات علاقات متلازمة بصفة تبادلية.
ان الحس المدني يقتضي اختيارات دائمة ومستمرة للمصلحة العامة وتفضيلها على المصلحة الخاصة.
ان الوعي بأفعالنا المدنية هو في نفسه خدمة للصالح العام وأيضا للصالح الخاص. وهذا المفهوم
يعني حيناً سلوك الاشخاص الذي يناضلون داخل المجتمع بدءا بالمسؤولين والسياسيين، ويعني أحيانا أخرى سلوك الأفراد الذين يتصرفون وفق بُعْدِ الواجبات الشخصية والجماعية داخل المجتمع. وكلا الطرفين مكملان لبعضهما، إلا أن المسؤولين والسياسيين واصحاب الولاية العامة يؤثرون على المجموعة الثانية اي سلوك الافراد والجماعات داخل المجتمع.
إن الحس المدني يبدو كفضيلة وواجب ووجه من أوجه التلاحم الاجتماعي. غير أن ما يمكن أن نلاحظ اليوم في بعض بلداننا العربية والمنطقة هو الابتعاد عن الحس المدني والعودة الى سلوك الدكتاتورية والظلم والتسلط والانانية وحب الذات وخدمة المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
حقيقة ان استقلال الفرد هو من أهداف المجتمع المعاصر إلا أنه أيضا لابد من أن نتعلم كيفية العيش المشترك، وبناء مجتمع حضاري منفتح يستشرف المستقبل بروح ايجابية من خلال العمل بروح الفريق الواحد.
ولما كان سلوك الانسان وما يرتبط به مع غيره بوشائج الدم، والقرابة أو الجوار، أو الشراكة، أو العمل وفي علاقاته داخل الدائرة الجماعية من أضيقها إلى أوسعها هو محور التشريعات المختلفة، يبرز بجلاء البعد الاجتماعي في ذلك وهو الذي يقوم على أساس الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، وتجاه الوسط الذي يتقلب فيه، وهذا الجانب الذي اصطلح على تسميته «بالحس المدني» وهذا الموضوع يكتسي أهمية كبيرة إذ يعتبر أحد مظاهر المجتمع السليم، وبخاصة اذا كان منطلقه وقراءته الذي يتسم بوضوح الرؤية، وشمول المعالجة، بحيث يجعل من الحس المدني ذات قيمة حضارية راقية تتناسب وتكريم الجنس البشري، الذي كرمه الله عز و جل .
وبالتالي فقد أدرك الغرب أن سلامة المجتمع واستمراره إنما يتحقق بقيام كل فرد من افراده بواجبه، نحو أبناء جنسه، ونحو مجتمعه، الذي يعيش فيه، حيث يتصرف كل فرد من أفراده باعتباره عنصراً في مجموعة لا بد من احترام كل أفرادها، وحينما تفلس الحضارة من القيم، والمثل تهدر كرامة الإنسان التي قال الله فيها عز وجل « ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا «سورة الإسراء (الآية: 70).
وختاماً شكراً لجلالة سيدنا الملك عبد الله الثاني ابن الحسين على رسم خارطة طريق لمملكتنا الحبيبة سواء على مستوى الحكومة او المسؤولين الرسميين ... او النخب الثقافية او القطاع الخاص او عامة الشعب، من خلال الاوراق النقاشية التي طرحها جلالته للنقاش والعمل بها والتي باعتقادي ليس الهدف من طرحها للنقاش لكي نتغنى بها من خلال ندوات او محاضرات او مؤلفات، ولكن يتطلع جلالة الملك لكي يتغنى هو ويفرح بإنجازاتنا وتطبيق ما ورد في الاوراق النقاشية على ارض الواقع.
من ناحية ثانية شكراً للجامعة الاردنية ممثلة بكلية الامير الحسين بن عبد الله الثاني للدراسات الدولية وعميدها الدكتور محمد القطاطشه على عقد هذا الحوار الاستراتيجي، ونحن على ابواب مشارف الدخول في المئوية الثانية للمملكة.
ومن ناحية ثالثة شكراً لمعالي الاستاذ عدنان ابو عودة الذي كان السبب في طرح اصطلاح الحس المدني .
ومن ناحية رابعة، شكراً لكافة المتحدثين والمشاركين في هذا المؤتمر في عرين ام الجامعات الجامعة الاردنية.
- المدير العام لمركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
الدستور