ايران وجزر الامارات العربية المتحدة
فؤاد الحميدي
14-09-2009 04:52 PM
ان الرفض أو الاستنكار للتصريحات الإيرانية الأخيرة حول الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) لا يكفي بل لا بد من موقف عملي موحد للحد من أسلوب الاستعلاء والاستخفاف الإيراني في التعامل مع القضايا التي تهم الدول العربية.
وضرورة التعامل مع هذه القضية بإعادة حق الجزر الى الإمارات خاصة وان الأمارات العربية عرضت أكثر من وسيلة لحل هذا النزاع القائم منذ عام 1971 على اعتبار ان هذه الجزر محتلة ولابد لإيران أن تتخلى عنها وإعادة سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الكاملة على جزرها الثلاث على اعتبار انه حق .
وبالعودة الى التاريخ فان الوقائع التاريخية، والسوابق القانونية، والأبعاد الإستراتيجية والوثائق والسجلات الأصلية لوزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية التي أفرج عنها مؤخرا , ووثائق جامعة الدول العربية والابحاث الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تؤكد على الحقوق القانونية والسيادية لدولة الإمارات العربية المتحدة في الجزر الثلاث.
ان استمرار الحكومة الإيرانية فى تكريس احتلالها للجزر الإماراتية ،وبناء المستعمرات والمنشآت السكنية لتوطين الإيرانيين فى الجزر العربية الثلاث المحتلة والمناورات العسكرية في هذه الجزر يعتبر دلالة على تكريس الاحتلال وضم هذه الجزر الى إيران وفرض الأمر الواقع بالقوة ،ولا بد من الكف عن مثل هذه الانتهاكات والأعمال الاستفزازية التى تعد تدخلا فى الشئون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة لا تساعد على بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار ليس في منطقة الخليج، بل فى المنطقة العربية والإسلامية ، ولا بد لإيران ان تترجم ادعاؤها في الرغبة بتحسين علاقات الجوار مع الدول العربية من خلال إنهاء الاحتلال على هذه الجزر انطلاقا من أن الجزر الثلاث هي أراضى عربية محتلة.
ان الحديث عن الأبعاد السياسية لأزمة جزر الأمارات العربية المتحدة التي تعاني من الاحتلال الإيراني للجزر منذ حوالي 38 سنة دفع في بعض الدول التي تعد من اللاعبين الرئيسيين في إثارتها بطريقة او أخرى .
فالاحتلال هو احتلال لا فرق بين احتلال واحتلال لأنه لا يتغير وإذا كانت إيران أخذت ما ليس لها حق فيه، واستخدمت القوة للاستيلاء على الجزر، فهو الاحتلال الذي تعاني منه الإمارات والتي يجب ان يقابل بالرفض من الجميع ، إلا ان إيران دولة اسلامية مجاورة وهذا يخولها ان تحمي لا ان تحتل ويستوجب عليها طمئنه الدول العربية المجاورة لا تخويفها , كما ان الامارات العربية دولة مسالمة اتبعت الطرق السلمية لاستعادة حقها في هذه الجزر.
ان مواقف الامارات العربية تستحق الإجلال والاحترام في أسلوبها الدبلوماسي للمطالبتها بحقها المشروع لأنه لا أحد يشك ان قضية الجزر، الاماراتبه قضية عادلة تستحق كل التفهم والدعم والمساندة الشعبية والرسمية.
ولكن التعاطف سيكون أعمق وأقوى بكثير عندما يتم الاطلاع على ما يجري في هذه الجزر وخاصة جزيرة أبو موسى، حيث تحاول ايران بشكل منظم ومخطط محو هويتها العربية وفرض سيادتها بالقوة، وتحويلها الى قاعدة عسكرية متقدمة.
فهي تشكل خطرا لأنها قريبة من المياه العربية الإقليمية وتشكل خطرا استراتيجيا على المنطقة.
ان التعاطف يحتاج دائما لتغذيته بالحقائق والوثائق التاريخية والقانونية التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بان الجزر هي ارض إماراتية عربية، لا يجوز التفريط بها، وأن للامارات الحق كل الحق في استردادها، وانها محقة في الحصول على المساندة المعنوية الأدبية والسياسية من من الأشقاء والأصدقاء في كل مكان.
ورغم استمرار قضية الجزر كقضية خلافية حادة بين الإمارات وإيران، و إصرار إيراني على التعامل مع الامارات بمنطق الاحتلال والقوة، فإن الامارات كانت ومازالت حريصة كل الحرص على اقامة علاقات ودية وطبيعية مع ايران.
ان علاقة الامارات بإيران هي علاقة تاريخية وجغرافية وسكانية وحياتية واسعة ومكثفة وتطورت عبر التاريخ، ولم تتوقف في أي مرحلة من المراحل التاريخية، ولا يتوقع ان تتوقف في أي وقت من الأوقات خلال المستقبل وهذا ما يجب ان تدركه ايران وتقابله بالمثل، لانه من الصعب ان تتوقف العلاقات بين الامارات وايران لأنها بقدر ما تحتوي على نقاط تقاطع، فإنها تحتوي ايضا على نقاط تلاق، وتوافق كثيرة، ان ما يجمع الامارات وايران اكثر بكثير مما يباعد بينهما، وفي مقدمة نقاط التلاقي القرب الجغرافي المشبع بالدلالات التي تحكم العلاقات بين الدول.
لذلك فإن ايران يجب ان تزيل الشكوك وتطمئن الامارات العربية بحسن الجوار واهمية الترابط وان تعيد الجزر الى الإمارات لان الامارات تحرص على العلاقات الودية والتعاونية ولا بد ان تقابلها ايران بنفس الود والمحبة ، الا ان ايران لم تقدر هذه المبادرات ولم تراع المواقف الاماراتية الايجابية.
فإيران مازالت تتعامل مع الامارات بمنطق الاحتلال والقوة وفرض الامر الواقع، وبعقلية الدولة الكبيرى والقوى الإقليمية.
ان أكثر ما تعاني منه ايران في تعاملها السياسي مع الامارات هو عقدة التفوق على انها قوة اقليمية ذات اهداف توسعية باعتبار ان لها مصالح حيوية في المنطقة وطموحاتها تفوق حدودها .
فهي تتعامل مع الدول العربية المجاورة تعاملا سياسيا ،وتنطلق في تعاملها مع قضية الجزر من هذا المنطلق بعيدا عن المنطق التاريخي والحقوقي ،فهي تعتبرها في المقام الأول قضية سياسية بحتة، الا ان الوثائق والدلالات تؤكد حق الامارات العربية في الجزر ، فقد اعطيت لإيران ضمن صفقة سياسية تمت بينها وبين بريطانيا، حيث كانت الامارات الطرف الضعيف، وكانت ضحية هذا التفاهم الذي تم بين القوى الكبرى والحاكمة في المنطقة في تلك الفترة، عندما احتل الشاه جزر الامارات وكانت الجزر بالنسبة له وسيلة لتأكيد زعامته السياسية. كما استخدمت الجزر كرمز لبروز ايران كقوة اقليمية كبرى، في ظل ضعف الطرف العربي الذي كان عاجزا عن الرد على نزعات الشاه السياسية والعسكرية ، وكان هذا في ظل توافق بين رغبات الشاه التوسعية من ناحية وبين المصالح الأمريكية آنذاك في الخليج العربي من ناحية اخرى. لذلك كانت الولايات المتحدة أول من بارك للشاه هذا الاحتلال، وسرعان ما اعتمدت ايران كركيزة اساسية في سياستها تجاه منطقة الخليج العربي، ودفعت الامارات ثمن هذا التوافق في المصالح بين الاطراف الاقليمية والدولية.
واستمر هذا الأمر في ظل نظام الثورة الإسلامية الإيرانية الحالي رغم التناقضات بين اهداف الشاه والثورة الإسلامية الا ان الاحتلال استمر في ظل الجمهورية الاسلامية الايرانية، الذي قرر الاحتفاظ بالجزر ولم يتغير ، ليس من منطلق وجود أي حق لإيران في الجزر، وإنما من منطلق قراءة سياسية ربما تكون خاطئة وواهمة تدعي بأنه في حالة عودة الجزر ستقوم الامارات بتسليمها لقوى خارجية معادية لإيران. هذا الاعتقاد الخاطئ هو الذي تحكم في السلوك الايراني في ظل الجمهورية الاسلامية التي لم تدرك ان الامارات لا تفكر بهذه الطريقة، وظهر مؤخرا عامل آخر جديد هو الصراع السياسي الايراني الداخلي( الإصلاحي والمحافظ في ايران) المزايدات بين التيارات السياسية التي انعكست على المواقف الرسمية حيث يحاول كل تيار سياسي وكل مسئول ايراني تأكيد وطنيته وزيادة شعبيته من خلال التشبث بقضية الجزر والحديث عن استمرارية السيادة الايرانية على الجزر لدوافع انتخابية وسياسية بعيدة كل البعد عن الحقوق التاريخية او القانونية.
باختصار، لقد كانت ومازالت الاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية هي التي تحدد السلوك الايراني تجاه قضية الجزر، فلم تكن القضية بالنسبة لإيران في أي وقت من الأوقات قضية قانونية او تاريخية او مبدئية.
تاريخيا ،لقد احتلت ايران جزيرتي طنب الكبرى والصغرى عسكريا في عام 1971
وقامت بتهجير سكان جزيرة طنب الكبرى منها بالقوة، كما احتلت القوات البحرية الإيرانية جزيرة أبو موسى وطردت سكانها العرب في عام 1992 رغم ان ايران كانت قد وقعت مذكرة تفاهم مع إمارة الشارقة في عام 1971 بشأن جزيرة أبو موسى بحيث تشتركان في إدارة شؤون الجزيرة إلا ان ايران عززت سيطرتها.
على الجزيرة متذرعة بأسباب أمنية لا أساس لها من الصحة ،ومنذ ذلك التاريخ وايران مستمرة في تجاوزاتها واستفزازاتها في الجزر الثلاث.
وتقع الجزيرة الامارتية بين ساحل الخليج العربي وهو "ساحل الدول العربية" المطلة على الخليج وساحل جزيرة قشم الإيرانية وتكتسب هذه الجزر أهمية كبيرة بالرغم من صغر مساحتها كونها تقع بالقرب من مدخل الخليج العربي في المنطقة الأكثر عمقاً من مياه الخليج.