بعيدا عن استطلاعات الرأي العام التي لم تعد ذات صلة في توقع رغبات الجمهور ليس في اسرائيل فحسب, بل في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعدد غير قليل من الدول الأوروبية ، خالف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستطلاعات التي كانت تتوقع له خروج مهين من الحياة السياسية رغبة في التغيير وبسبب قضايا الفساد التي وجهت له في موسم الانتخابات ، هناك عدد قليل من المتابعين الذين توقعوا نجاح نتنياهو كنتيجة لنجاح معسكر اليمين, لكن عدد محدود جدا - كاتب هذه السطور منهم - توقع ان يتفوق حزب الليكود في عدد المقاعد على تحالف كحول لافان- ازرق ابيض لسبب قمت بتبريره سابقا وهو ان حزب الليكود حزب منظم له قواعد ومقرات وفروع ولجان على الارض وحكم لثلاثة عقود بعكس تحالف كحول لافان الذي تأسس قبل ثلاثة شهور.
موضوعيا يمكن تفسير نجاح نتتياهو من خلال عدة عوامل أهمها :
اولا : فشل استراتيجية تحالف ازرق ابيض في اجتذاب أصوات اليمين وهي الاستراتيجية التي حاول اتباعها منذ اليوم الاول لتأسيسه ,حيث اعتقد انه يمكن الاستفادة من تجربة المعسكر الصهيوني في الانتخابات السابقة بقيادة تسيبي لفني وإسحاق هرتسوغ الذي لم ينجح بأجتذاب أصوات معقولة من اليمين بسبب يساريته المفرطة، لذلك اعتمد تحالف ازرق ابيض على برنامج انتخابي خالي من كلمة سلام او حل الدولتين حتى لا يثير حفيظة اليمين ، لكنه فشل في هذا المسعى, وعلى العكس منه قام بتجريف أصوات اليسار, فالعدد الكبير من الأصوات جاء على حساب اليسار التقليدي - حزب العمل وحزب ميرتس ، وعلى الرغم من حصوله على مقعد واحد اقل من الليكود لكنه خسر معركة المعسكرات لصالح معسكر اليمين . على النقيض من ذلك فعل نتنياهو, حيث لم يقم بالاستيلاء على أصوات الأحزاب اليمينية المنافسة له الا بالقدر والوقت المناسبين وترك لها مساحة للتمدد, بينما انقض فقط على أصوات الأحزاب الصغيرة جدا والتي لم يكن لها فرصة في عبور نسبة الحسم ، فكانت النتيجة معسكر يميني مؤلف من 65 مقعد مقابل 55 لليسار والوسط .
ثانيا : الإقبال الكبير لمصوتي احزاب اليمين الديني المتشدد وحصولها على عدد مقاعد كبير نسبيا ( شاس 8 مقاعد ، يحدوت هتوراه7 مقاعد ) بينما كان هناك ضعف شديد في نسبة التصويت عند الوسط العربي بسبب انقسام القائمة المشتركة, ولو كان هناك إقبال على التصويت من قبل العرب مثل الانتخابات السابقة لكان من الممكن خروج حزبيين يمنيين على الأقل من دائرة التنافس هما اسرائيل بيتنا وكولانو وبذلك يخسر معسكر اليمين 9 مقاعد.
ثالثا : الناخب الاسرائيلي صوت للوضع القائم الذي يراه مقبول وقابل للاستمرار من حيث قدرة اسرائيل على مواجهة التحديات والتهديدات الأمنية باقل تكلفة ممكنة فاسرائيل تدير اربع جبهات في آن واحد دونما ارباك لحياة المواطن الطبيعية ( ايران وسوريا ، حزب الله ، غزه ، الضفة الغربية ) اضافة الى التقدم على صعيد علاقات اسرائيل الخارجية مع كلا من الهند ,روسيا, الصين ,البرازيل, دول امريكا اللاتينية ,دول الخليج ,دول أفريقيا .
رابعا : الناخب الاسرائيلي هجر مفهوم الامن التقليدي المتأتي من الخبرات والمقدرات العسكرية , فلم يعد الجنرالات يشكلون اغواءا للناخب الاسرائيلي , فالتقدم الاقتصادي والتكنولوجي هو ما يتطلع له المواطن العادي في زمن العولمة , لذلك كان تجنيد اربعة رؤوساء اركان سابقين واصطفاف جنرالات اخرين في المعركة ضد نتنياهو امرا غير ذي شأن عند الناخب الاسرائيلي.
اخيرا , ازاحت الانتخابات السابقة من جدول اعمالها مسألتي الامن وعملية السلام وكرست سياسات الوضع القائم من حيث استمرار السياسات الداخلية والخارجية للحكومة الاسرائيلية دونما تغيير .
Mutaz876@gmail.com