أول كلمة أمر الله عز وجل بها محمدا صلى الله عليه سلم على لسان جبريل عليه السلام , هي كلمة " إقرأ " . ولو أحصينا كلمة العلم ومشتقاتها في القرآن الكريم لوجدنا أنها وردت 779 مرة . ومن الآيات التي تحض على العلم وعلى سبيل المثال , قوله تعالى " وقل ربي زدني علما " و " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " , ومن الأحاديث النبوية العديدة التي تحض على طلب العلم قوله صلى الله عليه وسلم " أطلبوا العلم ولو في الصين .
هذا بحر واسع في دلالاته ومعانيه في تأكيد الخالق سبحانه وسائر أنبيائه الكرام على أن العلم هو سر الوجود , فما الإكتشافات العلمية التي توصلت إليها البشرية حتى الآن , إلا كنبش بدبوس صغير في سلسلة جبلية عظمى من أسرار الكون العظيم وعظمة خالقه جل جلاله . ولقد وردت في القرآن والسيرة النبوية آيات وأحاديث كثيرة تحض على العلم لا يتسع المجال لحصرها ويعرفها كل مهتم .
موضوع مقالي هو تساؤل عن سبب تخلفنا نحن العرب وتقدم أمم غيرنا شتى , وبالذات في عالم الغرب الذي نعتاش ونقتات على مخرجات عقول علمائه , ولا نتردد في سبه وحتى شتمه ونحن جميعنا نمد أيدينا طالبين عونهم ومخرجات ما توصلت إليه عقولهم عبر البحث العلمي من منتجات في مختلف ميادين الحياة ! .
" إسرائيل " التي تحتل أرضنا وتستبيح مقدساتنا وتمكنت من هزيمتنا عسكريا غير مرة وتعدادنا البشري يفوق تعدادها مائة مرة , هزمتنا بالعلم والبحث العلمي الذي مكن " لمما" بشريا وخلال ثمانية عقود فقط , من أن يكون دولة عظمى نتاج مخرجات عقولهم , حيث التعليم عندهم من أجل تأهيل الفرد بكيفية أن يتعلم هو من تلقاء نفسه , فيما نتعلم نحن من أجل نيل " كرتونة " شهادة تؤهلنا لوظيفة لا أكثر ولا أقل ! , وشتان بين من يتعلم كيف يعلم هو نفسه , وبين من يتلقى حشو معلومات لتأدية إمتحان وكفى الله المؤمنين القتال .
قد يقول لي أحدنا لقد هزمونا بدعم الغرب المستعمر وأعداء الدين , وهنا أقول إن جزءا من ذلك صحيح , وسببه أصلا هو ضعفنا وتخلفنا , لكنهم اليوم يصنعون وينتجون كل ما يحتاجون ويصدرون الفائض , زراعتهم وصناعتهم وتجارتهم وسائر منتجات عقولهم وفي شتى مجالات الحياة , تفوق كل ما لدينا , هذ إن كان لدينا شيء منتج عقول أصلا .
الغرب والشرق عموما ومعهم " إسرائيل " , دول منتجة مصدرة لنتاج عقول باحثيهم وعلمائهم , ونحن العرب خير مستوردين مستهلكين لهذه المنتجات العلمية التي لا نستطيع العيش بدونها , فنحن فقط نبيعهم ما أفاء الله علينا من نعم خام لا تعد ولا تحصى , ونستعيدها مصنعة بمخرجات عقولهم وبأعلى الأسعار بدءا من الطائرة والصاروخ وحتى مسلة خياطة ملابسنا ولعبا بلاستيكية لأطفالنا وغير ذلك من مستوردات لا حصر ولا تعداد لها.
علينا أن نعترف بالواقع , فنحن اليوم أمة " كلام " وحسب والبحث العلمي الذي يغنينا عنهم جميعا هو في بلادنا صفر مكعب , ولقد وصفنا رئيس وزراء إسرائيلي سابق عندما حذره غربيون من غضب عربي يزمجر به أعلامنا بقوله : إسألوني عنهم , العرب مجرد طاقة صوتية لا أكثر ! . فهل كذب الرجل في ذلك الزمان ! , أنا لا أعتقد أنه قد كذب أو جانب وصف واقعنا .
في تاريخنا القديم أن العرب كانوا مشاعل علم ونور , فيما كانت أوروبا تغط في ظلام دامس . ذلك زمان لم تكن فيه لدى العرب جامعات ومدارس ودور أبحاث ودرس وإستقصاء , ومع ذلك برز فيهم علماء كثر في مختلف أسرار الحياة , واليوم حيث يتوفر كل ذلك وأكثر , غدا العرب في ذيل قوائم الأمم ذات العقول المنتجة !.
ما السر في ذلك ! , المال موجود , ودور العلم والتعليم موجودة , ولكن " البحث العلمي والتعليم الحقيقي الذي يبني عقولا مؤهلة للتعلم والبحث " شبه غائب , إن لم يكن غائبا , ولذلك هزمونا مرارا , وسيهزموننا مرارا أخرى وأخرى , إن لم نجنح وبقوة نحو البحث العلمي الحقيقي الذي حضنا خالقنا عليه عندما أمرنا بأن نقرأ , وأن نعلم أن لا إستواء بين من يعلمون ومن لا يعلمون , وعندما حثنا محمد صلى الله عليه وسلم على طلب العلم ولو في الصين , وعندما قال لنا , إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث , صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. فهل بعد هذا القول قول ! .
هزمونا بسلاح تخلفنا , لا بسلاح قوتهم . الله من وراء القصد .