ربيع الجزائر والسودان .. إلى أين؟
جميل النمري
15-04-2019 01:02 AM
حققت ثورة الشعبين الجزائري والسوداني الهدف الأول المعلن وهو اطاحة الرئيس المؤبد. كان انجازا عظيما حقّ للشعب ان يفرح به ويفخر، وهو يفتح الباب على مصراعيه .. لكن الى اين؟ هذا شأن الساعة الذي نتابعه بشغف وخوف.. !
يمكن اطاحة رجل عن رأس السلطة لأن الهدف في المرمى واضح يمكن التأشير عليه. لكن تغيير النظام وإرساء نظام جديد هو شأن آخر أكثر تعقيدا وهذا هو التحدّي الآن!
في السودان ظهرت محاولة التفافية بتسليم السلطة لنائب البشير ووزير دفاعه فخرج له السودانيون بعزيمة اشد ساخرين من حظر التجول الذي اعلنه فحفظ الرجل ماء وجهه وغادر على الفور. وترك لهم شخصية عسكرية أكثر قبولا ( عبد الفتاح برهان) والذي شكل مجلسا عسكريا اكثر مؤسسية من القادة العسكريين والأمنيين مع نائب للرئيس ( الحميدتي قائد قوات التدخل السريع ) الذي كان قد سجل لنفسه رفض دخول المجلس العسكري مع عوض بن عوف واعطى تصريحات شعبوية رافضة لأي صيغة لا تلبي مطالب الشعب. اعادة تشكيل مجلس عسكري يعلن نفسه سلفا سلطة ستحكم البلاد للمرحلة الانتقالية لم يكن مقبولا من الشعب حتى لو شكل الى جانبه حكومة مدنية.
عودة النظام القديم لم تعد واردة وفي نفس الوقت من الصعب ان تقدم قيادة عسكرية بدون خبرة سياسية رؤية لنظام سياسي بديل وآلية لنقل السلطة. لكن سلطة الشارع اذا بقيت وتوفرت معها ولها قيادة تمثل توافق كل القوى الفاعلة على موقف ومقترح فهي تستطيع ان تفرض قرارها على السلطة العسكرية التي تعاني من الارتباك ووجدت نفسها فجأة في موقع المسؤولية المؤقتة. الشعب من جهته يقوم بدوره بكفاءة رائعة فهو أجبر بن عوف على الاستقالة واستمر بالاعتصام والتظاهر داعيا الى انتقال السلطة بالكامل الى حكومة مدنية تمثل الشعب وتقود المرحلة الانتقالية والمفاوضات جارية بين المعارضة والمجلس العسكري.
في الجزائر اتجهت الانظار الى قائد الجيش عبد القادر بن صالح الذي اختار مخرجا يوفره الدستور ويحفظ بقاء النظام القديم بتعيين رئيس مجلس الأمّة رئيسا مؤقتا والمضي قدما لعقد الانتخابات بعد 3 اشهر. لكن الجزائريين الذين خرجوا لترحيل بوتفليقة كان في بالهم كل النظام والطبقة الحاكمة وقد رفضوا قرار قائد الجيش لأنهم يعرفون ان اجراء الانتخابات تحت نفس السطة لن يضمن نزاهتها، وفي تحد اضافي اعلن نادي القضاة في اعتصام أول امس رفض الاشراف على الانتخابات المقررة. والوضع يبدو اكثر خطورة مع قمع المتظاهرين وفق توجيهات جديدة صدرت للشرطة. ومن المشكوك فيه ان تصل الثورة لفرض بديل جذري مثل انشاء مجلس رئاسي من غير رموز النظام الحاكم يقود السلطة لمرحلة انتقالية. وفي الجوهر فقضية الثورة ليس ازاحة النظام بل تغيير طريقة ادارة الحكم وخصوصا مكانة رئيس الدولة الذي يحتفظ بالسلطة المطلقة تقريبا وتستظل به الطبقة الفاسدة المدنية والعسكرية الى جانب الحزب الحاكم. ربما يكون سقف التغيير هو إصلاح السلطة واخضاع منصب الرئيس لتنافس حقيقي وتحجيم سلطته وتقليص دور العسكر، وهو ما يتبعه تحسن الحريات العامة وقوة المجتمع المدني.
على العكس من ذلك في السودان اصبح النظام السياسي السابق وراء ظهرنا وتتحد قوى المعارضة السودانية في اعلان الحرية والتغيير وتستند لتاريخ وخبرة سياسية عريقة وتعرف ما تريد واذا لم يتم استبدال المجلس العسكري بمجلس مختلط غالبيته مدنية فليس أقل من المسارعة لتشكيل حكومة مدنية نظيفة من عناصر النظام السابق الى جانب تشكيل هيئة تأسيسية تمثل كل القوى الاجتماعية والسياسية يناط بها وضع اسس النظام والدستور الجديد.
الغد