احياناً تأخذ بعضَنا من المسؤولين والاعلام الحمية في وصف بعض الاحداث، يفعلون هذا بحسن نية ووطنية عالية، لكن الخطاب يحمل في طياته ظلماً للاردن وتاريخه وانجازاته المتراكمة. إذ نسمع من البعض مثلاً تعليقاً على استضافة الاردن لمنتدى دافوس العالمي بأن هذه الاستضافة وضعت الاردن على خريطة العالم، وهذا القول فيه مبالغة، فاستضافة المنتدى العالمي مهمة، لكن هل كان الاردن قبل الاستضافة بلداً نكرة غير معروف، ولا احد يهتم به، وبمجرد ان استضاف دافوس اصبح على خارطة العالم ومحل اهتمام دولي!من حيث لا نقصد نظلم بلادنا، فما هو هذا المنتدى الذي لولا أنْ عقد في الاردن لما كنا على خريطة العالم! وما هي الدولة التي تحتاج الى استضافة منتدى وحوارات غير رسمية حتى توضع على خريطة العالم! ولنتخيل مثلاً ان هذا المنتدى غير موجود في الكون فهل سيكون الاردن دولة بلا قيمة! ولنتخيل ايضاً اننا لم نستضف هذا المنتدى؛ فهل سنكون دولة بائسة حزينة، وماذا عن الدول التي لم تستضف دافوس او مؤتمر الحائزين على جوائز نوبل هل هي دول بلا قيمة!
لا تختزلوا الاردن باستضافة مؤتمر ومنتدى، ولا تجعلوا من هذه اللقاءات بداية الاردن، ولا يأخذنا الاندفاع فنضخم بعض الاحداث والمناسبات ونقدمها للمواطن بحجم اكبر من حجمها، ونعطيها دلالات اكبر مما تستحق، وهنا لا نطالب بأن لا نعطي للاحداث قيمتها لكن الحماس والمبالغة ظلم للاردن.
المنتدى الاقتصادي العالمي حدث مهم يعقد منذ سنوات طويلة، وهو لقاء غير رسمي بين شخصيات وشركات ومسؤولين يتداولون ويتحاورون، وتقوم عليه جهة خاصة، والاشتراك فيه يكون مقابل مبلغ مالي يدفع لهذه الجهة الخاصة، وقيمته انه فرصة لعقد الصفقات والاتفاقات وطرح الافكار، لكنه على اهميته ليس ما جعل الاردن على خريطة العالم، وانعقاده في الاردن دليل على متانة العلاقات الدولية.
ونسمع عبر الاعلام من بعض المسؤولين واهل الرأي طرقا في التعبير ومبالغة تجعل الاردن لا يتجاوز عمره بضع سنوات، ويعتقدون بهذا انهم يقدمون خدمة للقيادة الاردنية.
لا تضعوا الاردن بحجم ندوة او منتدى. ولا تختزلوا علاقات الدولة وحضورها الدولي بحدث مهما كان، ولا تختصروا الانجاز بسنوات وتعتقدوا ان هذا يرضي اصحاب القرار، فمن تحدث عن وضع الاردن وعلاقاته فليتذكر انها انجازات متراكمة وتاريخ طويل، واذا اراد احد الحديث بايجابية عن اي حدث فلا يجعل الدولة ومسيرة شعبها وقياداتها تصغر الى حجم هذا الحدث، وكأننا من دونه لا شيء وبه كل شيء.
الخطاب السياسي والاعلامي المتزن جزء من شخصيتنا. وفي غمرة الفرح بأي حكاية او حدث لا يجوز ان نقفز على اساسيات وثوابت، تماماً مثلما نمارس نحن العرب مبالغة لكل لقاء عربي ثنائي فنصفه بالحدث التاريخي والمنعطف التاريخي، ونصف كل خطابات الزعماء بأنها قومية وتاريخية، لنكتشف ان هذه القمم التاريخية لم تصنع ما تستحق عليه مثل هذه الاوصاف.
لنعطِ كل قضية او حدث حجمه ولنتحدثْ عن الاردن كدولة لها تاريخ وانجاز متراكم، وليكن احتفاؤنا واحتفالنا بأي حدث بحجمه لا بما تعطينا اللغة من اتساع وهامش.
sameeh.almaitah@alghad.jo