حينما قرت امس اخبار احتجاجات اهالي قرية عرجان في محافظة عجلون طلبا لحقهم في الحصول على المياه وان تعمل حنفيات الحكومة وتجري فيها مياه الشرب تذكرت احتجاج اهل الطيبة الجنوبية وقدومهم الى الرئاسة في عمان , وهذا يعتبر انجازا للحكومة لانها تدرب وتشجع الاردنيين على سلوك الاحتجاج وهي تنمية سياسية من نوع خاص تسجل للحكومة وهي على اعتاب الانتهاء من عامها الثاني .
ففي عهد هذه الحكومة ظهر الاحتجاج الشعبي بما فيه شد الرحال الى الرئاسة في العاصمة , لكن السبق السياسي ان الاحتجاج على شربة الماء , واصبح الاردني مضطرا لرفع صوته حتى في اعمال غير سلمية حتى تستمع اليه الحكومة وتعطيه حقه في المياه , وهذا الانجاز فريد من نوعه وخفض لسلم المطالب فبدلا من ان تطالب الناس بالرفاهية او بتخفيض اسعار السياحة او رسوم الجامعات او حتى بتعديل قانون الاحزاب فان سقف المطالب يهوي الى حد اللجوء الى المطالبة بشربة الماء وتفعيل دور حنفية الماء في حياة الاردنيين , فاي تنمية سياسية رفيعة حدثت واي رفع لمستوى مطالب الناس وبخاصة في المحافظات البعيدة التي كانت تامل بان ترتفع فيها مستوى الفعل التنموي لنكتشف ان الطيبة الجنوبية بلا ماء منذ شهور طويلة وان مسؤلا لم يدخلها منذ عقود وان اهل عرجان العجلونية مضطرون لحرق الاطارات حتى تسمع الحكومة بعطشهم !!!
وعندما سترحل هذه الحكومة بعد أي زمن كان قريبا او بعيدا فسيذكر المنصفون والمحللون لها انها صنعت تنمية سياسية من نوع خاص وشجعت على الفعل الاحتجاجي على مطالب يفترض اننا انتهينا منها قبل سنوات طويلة , وان بلدات وقرى اردنية لم تجد طريقة لشكوى عطشها الا عبر احتجاجات وهجرة جماعية الى العاصمة, وبدلا من ان تكون الحكومة قد فعلت الفعل الميداني ووصلت الى الاردنيين فانها دفعت الناس الى اللجوء الى اساليب بدائية للفت الانظار الى مطالبهم مثل اشعال الاطارات في زمن الانترنت والخلوي !!
وهذه القصص الحزينة سياسيا تذكرنا بحديث الرئيس عند لقاءه مع المحافظين قبل اسابيع عندما قال انه سيحاسب المقصرين لكننا لم نجد حسابا الا لموظفين صغار , لكن منطق الامور يقول ان الحساب السياسي يجب ان يدفعه الكبار , ولو كان لدينا حالة متقدمة سياسيا وديمقراطيا لكان تكرار عطش الناس واضطرارهم لاساليب مختلفة للشكوى ولاسماع صوتهم يدفع وزراء ومسؤلين كبار للرحيل الى بيوتهم او ربما حتى استقالة الحكومة , لاننا في زمن ليس مطلوبا فيه من الحكومة تحرير فلسطين بل خدمة الناس وعندما تعجز حتى عن سماع الصوت وتكون الاحتجاجات وحرق الاطارات هي وسيلة الشكوى من العطش فان في الامر خلل في اداء الحكومة لدورها الاساسي , هذا اذا افترضنا انها حكومة تقوم بكل واجباتها الاخرى!!
لاضرورة لكل الندوات والمحاضرات حول التنمية السياسية ولاحتى للوزارة لان الاردنيين يمارسون هذه التنمية بحكم حاجتهم الى ايصال صوتهم والتعبير عن عطشهم فهذا هو التمرين العملي على التنمية السياسية لكن على حساب سقف طموح الناس لكنه يبقى انجازا حكوميا رفيعا.
نقلا عن الغد