إن من يستعرض التاريخ البشري يجد عملية شد الحبل بين الحاكم والمحكوم عملية مستمرة ، فصراع السيطرة صراع قائم ، وأنين الظلم تصل موجاته الصوتية لأذن الظالم ليس لقوة الصوت بل لأن الظالم نفسه في حالة خوف فهو أعرف الناس بما كسبت يداه ، لهذا فهو في رقابة مستمرة على جسد المظلوم ، يكتم نَفَسَه ويجوع معدته ويسرق جيبه وقد يعتدي على كرامته ، يريده ذليلا" صاغرا" منحني الهامة مطأطئ الرأس ، يريده ساجدا" له راكعا" بين يديه مسبحا" بحمده !! بينما ركوعه وسجوده وتسبيحه لله يزعجه لان من يركع لله لا يقبل أن يركع لغير الله.
الطاغية ما وصل الى حالته المرضية الا لنسيانه أمر الله ورقابته ، ولانه استغنى عن الخُلق الكريم والعدل الذي تحبه النفوس السوية . تصور الظالم أن الناس له أعداءا" فراح يعاديهم ويقهرهم ونسي أنه بهذا يزرع فيهم الحقد ويُغلي في نفوسهم شرارة البركان . بطغيانه خاف أناس ، وطمع آخرون ، واذا بقي من لم يقع في الخوف أو الطمع فالسلاسل جاهزة وأعواد المشانق ظاهرة والاختفاء القسري يُمارس والتصفية الجسدية ممكنة بل جهز ماكنة من المجرمين لابتداع أساليب يستفيد منها الشيطان !! فمن كان يتخيل أن الظلم قد يصل الى مرحلة إذابة المعارض بالسيانيد ؟ ومن كان يتخيل دخول الكلاب الجائعة لنهش سجين نحيل الجسد صلب العقل والفكر ؟ كيف لعقل أن يتصور إجبار معتقل على بلع " فأر " حي أمام الناس وتحت الشمس ورابعة النهار ؟؟ . لما قال المخلوع بن علي : (الان فهمتكم) هل كان ذلك إعلانا" بأنه طيلة سنوات حكمه لم يكن يفهم ؟ هل الحقيقة أنهم لا يفهمون ؟ ألم يحاول مبارك أن يبقى لآخر لحظة فأخرج لهم الجِمال تدوسهم فلما أُسقط في يده قرر التنحي ؟ ألم يقل الذي قَسَمَ السودان إنه لن يغادر الا عبر الصناديق في نسيان متعمد أنه جاء عبر دبابة فلماذا يتحدث للناس عن الصناديق ؟ لماذا يكذب الطاغية ؟ لماذا يزور ويقول للناس أنا فداؤكم ؟ بينما عندما يتطلب الأمر يدوسهم بنعله النجس !! كم قتل الطغاة من أجل البقاء ؟ لو صدقوا مع الله والواقع لعرفوا انهم غير باقين مهما طال زمن سرقتهم للسلطة . الشعوب طيبة تريد ببساطة من يحكمها بالعدل ويؤمن لها الأمن والعيش الكريم ، يريدون كرامة وعزة ، يريدون الخير لهم ولبلدهم ، لا يريدون فسادا" ولا تخاذلا" ولا تصرفا" بمقدرات بلادهم ، كيف يمكن لشعب يعيش الهناء والعدل والامن أن يتحرك ضد حاكمه العادل ؟! ليس ثمة مبرر للتحرك حيث المطالب متحققة . أما حين يرون نهب المال والتصرف المستفز و(البعزقة) واستئجار من يسمون بالرجال فإنهم بلا شك غير راضين وربما استمرت حالة عدم الرضا الى أن يتحرك البركان وعندها ستسقط القمم وستسيل الحمم البركانة الى قعر الواد . الطاغي لا يحلل ولا يحرم وشعاره وهو ينظر للكرسي
" كله في حبك يهون " يهون الناس وتهون الدماء ويهون الاقتصاد وتهون الكرامة وتهون السيادة ويهون مستقبل البلاد فهو والا الطوفان لانه الدولة والدولة هو !! لا يرى الا نفسه ، ألم يقلها فرعون ( أنا ربكم الأعلى ) أما المحكومون فهم حشرات وقطعان للذبح والحَلْب ومن كان من القطيع له قرون فلا بد من كسرها .
الحديث وبخاصة وأنا استعرض حالة بلادي العربية هو حديث ذو شجون أقطعه بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم اللهُ في ظله يوم لا ظل الا ظله : إمام عادل .....) ومن لم يكن عادلا" فليقرأ ( ولا تحسبن اللهَ غافلا" عما يعمل الظالمون ) وصدقت أيها النبي العظيم ( إن اللهَ ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) .