ثلاثة سيناريوهات أمام السودان
د. حسين البناء
12-04-2019 02:08 AM
المؤكد، أن الرئيس (عمر البشير) قد انتهت ولايته في حكم السودان، أما ما هو في حكم الملتبس: هل انتهى نظامه؟ أم تم استبدال شخصه فقط من طرف العسكر بانقلاب يتكئ على الجماهير المحتشدة و التي طالبت برحيله؟ الأكثر غموضا هو: أية سيناريوهات بانتظار السودان و مستقبله؟
مبدأيا، يمكن استشراف ثلاثة سيناريوهات تنتظر مستقبل السودان كنتاج لتفاعل القوى الثلاث المتمثلة بالثوار و العسكر و الخارج، وكل سيناريو له رجاحته و موضوعية طرحه، وهي كما تبدو كالآتي:
السيناريو الأول: (حكم الجنرالات و الفوضى) يبدو أن العسكر متى أمسكوا بزمام السلطة لا ينفكون عنها البتة و بأي ثمن، و تجارب انقلابات العسكر ماثلة أمامنا في أكثر من تاريخ بلد عربي، فالسلطة المطلقة، و الأمر و الطاعة، هي من أسس تكوين العقلية العسكرية، و متى حان الظرف للجنرالات بأن يهجروا (دورهم الطبيعي في حماية الوطن و سيادته) و يستولوا على السلطة، فإنهم أمام اختبار بنيوي لعقلية القيادة و التحكم. وكما يبدوا، فإن ما جرى هو مقاربة لأي انقلاب عسكري، حيث يتم استبدال الجنرال بآخر بذات الدور و لكن باسم آخر.
في هذه الحالة، و في ظل إصرار الحراك الشعبي على إسقاط النظام بالكلية و بناء هيكل دولة ديمقراطي جديد، فإن الصدام المتفاقم و المدمر هو مآل الأمور و نهاياتها، و لن يكون مستبعدا تفكك الدولة و استقلال (دارفور) كتفاعل طبيعي لضعف و تراجع المركزية في إدارة الدولة، و ضعف الأجهزة العسكرية في توسيع النشاط المضاد للحراك.
السيناريو الثاني: (الانتقال السلمي للسلطة)
ليس مستبعدا أن يدرك الجيش عمق الأزمة و خطورة مضاعفاتها، فيتم تعديل مضامين البيان العسكري ليتم تسريع عملية تسليم السلطة و الإعداد لانتخابات قريبة و ضمان نزاهتها و الحرية في الاختيار إنفاذً لمبدأ تداول السلطة سلميا و ديمقراطيا.
في هذه الحالة فنحن على أبواب انفراج ديمقراطي من شأنه بث روح الأمل و التحرر و الاستقرار، و ما سيقود لبناء نموذج عربي يشابه نجاح التجربة التونسية، و ليس تكرار تجربة (عبد الرحمن سوار الذهب) بمستبعدة ههنا.
السيناريو الثالث: (تثبيط الثورة و بقاء العسكر)
من الوارد كذلك أن يلتف الجيش على مطالب الجماهير، و قيامه بتهدئة الأمور في ظل وعود و مماطلة و تسويف، فيتم تمديد حالة الطوارئ حتى استقرار الأمور على تقبل الأمر الراهن و قبول المرشح الأوحد، قائد الجيش (عوض بن عوف) أو أي وجه آخر من العسكر، فيتم تكرار مرحلة (البشير) لبضعة عقود أخرى.
جميع السيناريوهات تبدو واقعية و محتملة جدا، و خاصة في ظل تعقيدات داخلية و إقليمية و دولية؛ فداخليا هنالك ثورة واضحة المطالب و لن تتنازل عن مكاسبها و تضحياتها بسهولة، و هذا يدعم طرح الديمقراطية و تسليم السلطة تحت ضغط الجماهير. أما إقليميا، فهنالك قوى عربية فاعلة و ثبت تدخلها عبر المال و السلاح في إجهاض أي حراك ثوري تحرري من شأنه بث أفكار الديمقراطية والتغيير، و هذا يدعم طرح بقاء العسكر في السلطة. أما دوليا، فالقوى الكبرى لا يعنيها مصير الشعوب و لا تحررها بمقدار الحرص على استمرارية المصالح السياسية و الاقتصادية، و في العادة فإن ذلك يبدو مُصانا عند التعامل مع دكتاتورية مستقرة مقارنةً بحكومات متقلبة و مُمثّلة للجماهير.
اليوم، يبدو السودان مرتهنا لثلاث قوى قادرة على جذبه نحو ثلاثة سيناريوهات، قوة الشعب و سيناريو الديمقراطية، و قوة الجيش و سيناريو التسلط، و قوة خارطة الإقليم و العالم بسيناريو غامض متعدد الأوجه.