لا يختلف خطاب الانثى في القرآن الكريم عن خطاب الذكر، فقد جاءت الخطابات دائما في سياق واحد هو سياق المساواة والعدالة على قاعدة التمايز في التقوى، وهو سياق قرآني موحد في خطاب موجه للعالمين كلهم «اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى» «للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن» وهكذا، الا ان ثمة فهومات مختلفة ولدت رؤية انقسامية للخلق على اسس عرقية احيانا او جنسية ونوعية، خاصة بين الرجل والمرأة، والذكر والانثى، وسواء كانت هذه الفهومات في مجال الفقة او التفسير او في مجالات الوعي والمعرفة، فانها غالبا شكلت صورا ومواقف سلبية تجاه المرأة، لدرجة ظهرت فيها صورة المرأة في تراثنا وواقعنا بعيدة احيانا عن صورتها التي نزل بها القرآن الكريم، وعن نموذجها الفاعل والحي الذي قدمته لنا الايام الكريمة.
لا اريد ان اقارن بين هاتين الصورتين: صورة المرأة في الخطاب القرآني وصورتها في خطابنا الاسلامي، ولكن ارجو ان نتأمل في بعض القضايا والمفاهيم المتعلقة في المرأة لندرك الفرق، خذ مثلا مفهوم القوامة، ومفهوم كيد النساء ومفهوم درجة التفضيل ومفهوم النشوز والضرب.. خذ ما يتعلق بتفسير هذه الايات في كتب التفسير، وفي احكامها في كتب الفقه، بعيدا عن المقاصد الحقيقية التي يريدها الاسلام في تحقيق معنى وجود المرأة ودورها ووظيفتها في الحياة.
يكفي هنا ان نقدم نموذجين لصورة المرأة كما قدمها القرآن الكريم لندرك قيمة المرأة القرآنية لا المرأة التراثية: نموذج بلقيس غير المسلمة التي تعطينا درسا في مسألة الحقوق السياسية للمرأة «ما كنت قاطعة امرا حتى تشهدون» كيف يعقل كما يقول ابن عاشور ان يؤخذ من كلامها قاعدة فقهية في جواز المشاركة السياسية ولا تؤخذ هي كنموذج نسائي للولاية السياسية.
وخذ ايضا نموذج المرأة المجادلة التي سمع الله قولها وانزل سورة باسمها، الا يعتبر ذلك نموذجا لحرية التعبير والجدال الذي كانت تمارسه النساء في العهد الاسلامي الاول، في وقت ما زلنا نتحدث فيه عن صوت المرأة كعورة. باختصار، نحن بحاجة لاعادة قراءة شبكة المفاهيم القرآنية التي تتعلق بالمرأة، والنماذج التي يقدمها القرآن للمرأة ايضا بعيون مفتوحة على الحق والصواب.. وعلى روح الاسلام ومقاصده.. لا على ما ذكره المفسرون فقط او الفقهاء.. او ما استقر في مجتمعاتنا من مراسم وعادات.
الدستور