جامعاتنا الرسمية تعاني من تحديات جسام شتى فالمصاعب المالية جسيمة ،وتحديات الحاكمية أكثر جسامة ،أما جسامة ضعف جودة المخرجات وتراجع البحث العلمي والتعيينات القيادية في هذه المؤسسات التعليمية فحدث ولا حرج.حديثنا اليوم ليس عن أي من هذه الأمور الجسيمة ولكن عن تلك الفئة من أبنائنا الطلبة الذي يدرسون في الجامعات الرسمية تحت بند جسيم أي بدون رسوم.
مصطلح "جسيم "في اللغة يعني خطير أو فادح أو خطأ جسيم ترتب عليه أضرار جسدية.والحقيقة أن هذا المصطلح أصبح مألوفا في الجامعات ولدى أخواننا العاملين في القوات المسلحة إذ أن من يتم تصنيفه طبيا بأنه جسيم أي عانى من إصابة تعيق قدرته على العمل فإنه يستفيد من قانون التقاعد العسكري الذي يتيح لأبناء العاملين في القوات المسلحة ممن ينطبق عليهم هذا التصنيف الطبي أن يدرسوا في الجامعات الأردنية الرسمية بالمجان وبغض النظر عن التخصص وعدد السنوات حيث تنص المادة "22ط" من قانون التقاعد العسكري لعام 1959 وتعديلاته:
على "يتمتع أبناء الشهداء والمتوفين والمصابين من منتسبي القوات المسلحة بعاهات جسيمة تمنعهم من إعالة أنفسهم أثناء قيامهم بواجباتهم العسكرية أو بسببها بالمجانية الكاملة في جميع مراحل التعليم بمدارس ومعاهد وزارة التربية والتعليم أو الجامعات أو الكليات أو بالمدارس العسكرية الأردنية بجميع درجاتها العلمية على أن لا يتجاوز عمر المستفيد الثلاثين عاماً وذلك إذا استوفوا شروط التسجيل بتلك المدارس والمعاهد والكليات والجامعات".
إن التضحيات الكبيرة التي يقدمها أبنائنا وإخواننا في القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية لا تقدر بثمن فهم يذودون عن حمى الأردن ويقدمون أرواحهم فداء لسيادة بلدنا واستقراره ،وهذا لا يختلف عليه احد ،ومقدر من كافة فئات المجتمع وأطيافه لا بل فإن بعض الشرائح المجتمعية مثل العاملين في قطاع التعليم يطمحون بأن تتم معاملتهم بالمثل لمن تنطبق عليه شروط الجسيم.
إن مجانية التعليم لأبناء العاملين أو المتقاعدين من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية استحقاق قانوني يدعمه تقدير مجتمعي وينبغي على الدولة أن تتحمل موازنة وتكاليف الإنفاق على تعليم هذه الفئة المحترمة .
الجامعات الأردنية الرسمية تتحمل كامل العبء المالي المترتب على تكاليف طلبة جسيم ،وهذه الكلفة المالية تقدر بعشرات الملايين ،وقد تعاظمت مديونية بعض الجامعات لدرجة أصبحت غير قادرة على دفع رواتب العاملين فيها بسبب التزايد الكبير في أعداد المستفيدين من فئة جسيم.تكاليف تعليم أبناء العاملين في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية يجب أن لا تتحملها الجامعات الرسمية لوحدها وينبغي أن تقوم الدولة بتغطيتها من الموازنة العامة.
إن الحل الذي يمكن أن ينصف جامعاتنا الرسمية في الوقت الذي يحافظ به الطلبة ممن يحمل أبائهم فئة "جسيم" على مكتسباتهم كما نص عليها قانون التقاعد العسكري لعام 1959، يكمن في تحويل كافة طلبة جسيم إلى شريحة المستفيدين من المكرمة الملكية من أبناء القوات المسلحة مع احتفاظهم بكافة الامتيازات الحالية التي يوفرها قانون التقاعد العسكري .ضمن هذا الإطار تستطيع الحكومة زيادة مخصصات القوات المسلحة بهدف تغطية هذه التكاليف الإضافية المترتبة على تحويل طلبة جسيم إلى المكرمة الملكية.
الجامعات الأردنية الرسمية بطريقها إلى الإفلاس في ظل المحافظة على الرسوم الجامعية لطلبة القبول الموحد بمستوياتها الحالية ،وفي ظل تنامي العجز المالي الناجم عن عدم تغطية أي جهة رسمية لرسوم وتكاليف طلبة جسيم. إن الحديث عن قضايا ومصطلحات مثل "جودة التعليم" و"العالمية" و"تصنيف الجامعات" و"حاضنات الإبداع" و"اقتصاد المعرفة" سيبقى يدور في فلك النظريات والتنظير ما لم يتم التعامل مع التمويل ،والحاكمية الرشيدة،وإدامة الموارد وغيرها من الأمور التي يتعذر على مؤسسات التعليم العالي أن تؤدي رسالتها وتقوم بدورها في تطوير مجتمعاتها دون توفر الإمكانات المالية لذلك.