نجوم الثقوب السوداء والصورة التي طال انتظارها
د. علي الطعاني
11-04-2019 01:43 PM
المتابع لوتيرة الاكتشافات العلمية اليومية بكل نواحي العلوم، سيجد ان الاكتشافات بعلوم الفلك والفضاء، تسحوذ على اهتمام أكبر لدى كل وسائل الإعلام العالمية بكافه اشكالها، بسبب خلق دافع التعلم والـتأمل والفضول لهذا الكون الشاسع والمتناسق في التكوين.
وبداية،،، أريد ان اسلط الضوء وبشكل مبسط، على الحدث العلمي المذهل والكبير للجهد الجماعي لاكثر من 200 عالم ومهندس بكافه نواحي العلوم ذات الصله من 100 جامعة ومعهد في مختلف انحاء العالم شاركوا في عمل صوره حقيقه من خلال تلسكوب أفق الحدث في( صورة ظل) لنجم الثقب الاسود الموجود بمجرة مسيسه 87 Messier 87)) ذو كتله تصل الى 6.5 مليار ضعف كتله الشمس، ويبلغ قطره 38 مليار كيلومتر ويبعد عنا 55 مليون سنه ضوئية (لحسن الحظ).
وبداية،، اود ان أبسط المفهوم لدى القارئ، بإعطاء تعريف لنجوم الثقوب السوداء، وهي احدى نهايات الحياة لتلك النجوم المنتشرة في الفضاء الشاسع والكبيرة جدا التي تتمتع بكتله (50مره من كتله الشمس او اكبر) عندما يتحول كل وقودها من الهيدروجين الى اندماجات لعناصر اثقل في التكوين واخرها الحديد، ثم تغلب قوم الجاذبية على قوه النشاط الاشعاعي بسحق كل مكونات النجم والانهيار على نفسه بحيث جمعت فيها المادة بكثافة عالية جداً في مساحة صغيرة جداً (نتيجة تداخل الجسيمات دون الذرية مثل بروتون والكترون داخل النواه وانعدام الفراغ البيني بين الجسيمات) بشكل يمنع أي شيء من مغادرتها، حتى أشعة الضوء لا تستطيع الهروب من هذه المنطقة وهو يبدو لمن يراقبه من الخارج كأنه منطقة من العدم؛ إذ لا يمكن لأي إشارة أو موجة أو جسيم الإفلات من منطقة تأثيره فيبدو بذلك أسود. وبالتالي تزداد كتلة المادة الموجودة في الثقب الأسود. فمثلا اذا فرضنا -جدلا- ان الكرة الأرضية ستتحول الى ثقب اسود، فهذا يتطلب ان تتحول إلى كرة نصف قطرها 0.9 سم مع بقاء كتلتها الأرض الحالية، أي انضغاط مادتها لجعلها بلا فراغات بينية في ذراتها!!!
تصل كتله بعض تلك الثقوب السوداء حتى 20 ضعفاً من كتلة الشمس ويسمى بالنجمي (Stellar Black Holes) ويوجد منها العديد بمجرتنا مجره درب التبانة، وهناك نوع اكبر يسمى بالثقوب السوداء الفائقة ولها اكثر من مليون كتلة شمسية (Super Massive Black Holes) اطلق اسم الثقب الأسود الفائق الموجود بمركز مجرة درب التبانة بـالرامي أ (Sagittarius A) وله كتله مقدارها 4 ملايين ضعف ويبعد عنا 25 الف سنه ضوئية.
اما من الناحية الرصدية، تم رصدها بطريقه غير مباشره، من خلال رصد الإشعاعات السينية الصادرة من المواد المحيطة بتلك الثقوب مهما كنت طبيعتها في الفضاء، والتي تنجذب لهذا النجم لالتهامها وعند تحطم جزيئاتها نتيجة اقترابها من مجال جاذبية الثقب الأسود وسقوطها في في مجال جاذبيته القوي جدا. وهذا يتضمن ايضا الماده البين نجمية التي تختفي بشكل دوري في مناطق مظلمه ولا يعود بالامكان رؤيتها مرة اخرى.
تأتي اهميه هذا الاكتشاف الذي اعلن عنه مؤخرا، في انشاء الفريق البحثي لمصفوفة (شبكة) من التلسكوبات الراديوية وعددها 8 عام 2016، موزعة على اربع قارات لتغطي عمليات رصد السماء بشكل متكامل، والتي تعمل بشكل متزامن لإنشاء تلسكوب واحد افتراضي كبير ذو قطر بحجم الارض، سمي بأفق الحدث Event Horizon Telescope (EHT) ، وباستطاعة هذا التلسكوب الافتراضي ان يرصد كرة غولف على سطح القمر!!
حيث بدا المشروع للتحضير لرصد الثقب الاسود الموجود بمجرة M87 عام 2017، وقد تم اختيار النجم بعد دراسه طويله وذلك بسبب ميزتين اولاهما انه اكبر ثقب اسود معروف حتى الان، اما الميزه الثانيه وهي انه يمكن رصده من القطب الشمالي والقطب الجنوبي للارض بشكل متزامن.
وبعد تحليل لحجم البيانات التي تم تجميعها خلال العامين والتي يصل حجمها الى5 مليون ميجابايت، والتي عجزت توصيلات الانترنت عن نقلها مما تتطلب نقلها بواسطه غرف خاصه على شكل اقراص. حيث تم اخيرا بناء صورة ظل حقيقه لهذا الثقب الاسود ناتجة من البلازما شديده الحرارة المترامية في الفضاء بواسطه الطاقه الهائله لهذا النجم. وقد اطلق فريق MIT على هذا الصورة ب "صورة القرن". ان المتابع للصوره سيجدها عباره عن هاله مضيئه كالخاتم (تسمى افق الحدث وهي المنطقه التي تفصل بين منطقه داخل وخارج الثقب الاسود أو هي المنطقة التي لا يمكن لاي ماده الهروب من جاذبيه النجم عند هذا الحد الفاصل) محيطه بالثقب الاسود، وهي منطقه ذات كثافة غير منتظمة تتسارع بشكل مضطرد بفعل الجاذبية لترتفع حراراتها كثيرا بفعل سرعهتا التي تصل قريبا من سرعه الضوء. حيث ان احد الجوانب يمثل اكثر سطوعا بسبب انزياح نحو الأطوال الموجية التي تم رصدها، ولذا فان الضوء المنبعث من قرص التراكم ينحني ويلتف حول أفق الحدث لهذا النجم.
وبهذا الاعلان اعتقد ان تلك المجموعه البحثيه قد حجزت مكانها للترشح لنيل جائزة نوبل عن الفيزياء الفلكية لهذا العام. وبذلك تتحق مرة أخرى تنبؤات العالم الشهير البرت اينشتاين بوجود تلك النجوم، وقبلها توقعاته بوجود الموجات الجاذبيه (انحناء الزمكان في الفضاء) بفعل جاذبية الاجسام الكبيره جدا. وهذا من شأنه ان يفتح الباب لتأكيد الكثير من المعلومات التي كانت مجرد نظريات في السابق.
استاذ مساعد بالفيزياء الفلكية-جامعة البلقاء التطبيقية