روسيا من المعارضة إلى السلطة
د.حسام العتوم
11-04-2019 01:06 PM
ينقسم إعلاميونا وناسنا هنا في الأردن، ووسط العرب، وعلى خارطة العالم، بين متفهم ومنصف لمواقف الفدرالية الروسية في شرقنا العربي، والأوسطي، والعالمي، وبين من لا يستطيع إستيعاب الدور الروسي، ويذهب حتى للتطاول عليه، وبكل الأحوال وبموضوعية أستطيع القول هنا بأن روسيا تشكل كفة ميزان الخلافات الإقليمية والدولية، والمرجحة للعدالة، ولا زالت تتموضع في ميادين المعارضة من زاوية التمسك بالقانون الدولي عبر مجلس الأمن، والأمم المتحدة، تاركة السلطة لأمريكا، ومراقبة لها، وهي تعرف مسبقاً بأن سياسة "الكاوبوي" ومساندة الاحتلالات والاستعمارات، والغطرسة هي السائدة حتى في القرن الواحد والعشرين وماضية إلى زوال لا محالة.
والتوازن العسكري الفضائي التقليدي وغيره النووي بين روسيا وأمريكا والغرب أي (الناتو) ماثل، وبما تملك من جيش أحمر، وبحرية، وصواريخ عابرة للقارات، وربما تتفوق من جهة النوع لا الكم، وامتلاك روسيا لـ 7 آلاف رأس نووي، وطائرات السوخوي (34) التي يصل مداها إلى 7 آلاف كيلو متر، والصواريخ الدفاعية C400 والأكثر منها تطوراً، وصواريخ (أفانغارد) الخارقة للصوت، والقادرة على الالتفاف حول الكرة الأرضية وإصابة الهدف بدقة خارج الرادارات خير أمثلة، وفي الوقت ذاته وحسب وزير الدفاع الروسي سيرجي شايغو فلقد بلغت ميزانية الدفاع الروسي عام 2018 (46) مليار دولار أمريكي في زمن بلغت فيه ميزانية الدفاع الأمريكية والتي وقعها الرئيس دونالد ترامب عام 2017 (700) مليار دولار، والعبرة بالنوع وليس بالكم بطبيعة الحال.
وألفت الانتباه هنا بأن روسيا تعمل من دول أحلاف عسكرية منذ تفكيك حلف (وارسو) مع تزامن انهيار الاتحاد السوفيتي، بينما هو حلف (الناتو) العسكري الأمريكي – الغربي المشترك لا زال عاملاً، وتتصدره الولايات المتحدة الأمريكية بالإنفاق عليه بحوالي (686) مليار دولار إلى جانب أوربا والدول الصديقة من الحلفاء، وهي أي روسيا ترفض الحرب الباردة بعد الانهيار السوفيتي، وتدعو لعالم متعدد الأقطاب ومتوازن، وترفض من جديد إحادية القطب الواحد المتغول على اقتصادات، وسياسات الدول والشعوب، وقضاياها العادلة، والمرسخ للاحتلال، وخلق الأزمات، والحروب، والعنف، والإرهاب، فما هي المعايير الممكن توفرها أمام روسيا لكي تنقل دورها من (المعارضة) وإبداء الرأي القانوني في قضايا العالم فقط إلى التوازن مع أمريكا والغرب على سلطة العالم؟ وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار علاقاتها الدافئة الدبلوماسية والسياسية مع دول الغرب رغم حادثة الجاسوس سيرجي سكريبال في لندن التي ثبت براءة روسيا منها، فإن الاقتصاد الروسي وتطوره يعتبر الرافعة الأولى لها، وهو المحتاج وكما ألاحظ لنقله من المركزية الإدارية إلى اللامركزية، بحيث تعطى الفرصة لكل إقليم روسي لكي يعتمد على ذاته، ويغطي نفقاته من إنتاجه بدلاً من الدفع بالإنتاج إلى العاصمة موسكو وانتظار ما نسبته 10-20% أكثر أو أقل، والذهاب لتقوية الصناعات المحلية، ولتوفير الايدي العاملة وبأجور مجزية، وإتاحة الفرص أمام الاستثمارات الأجنبية المفيدة، وضبط العملة الوطنية (الروبل) من التضخم 1 Russian ruble = 63 United states Dollar وخطة تحرير الاقتصاد الروسي بالاعتماد على العملة الوطنية الروسية الروبل بدلاً من الدولار لمواجهة العقوبات المفروضة على روسيا من جانب أمريكا والغرب نقلةً بالاتجاه الصحيح، ورافعة في مكانها وزمانها في مجال الصادرات والواردات، وخطوة الرئيس فلاديمير بوتين بالعمل على تقليص الفقر إلى 6.6% من أصل 13.3% عمل آخر بالاتجاه الصحيح حتى عام 2024 مع نهاية الولاية الحالية للرئيس الروسي، إلى جانب رفع أجور العمالة الوطنية. والصادرات الروسية غير النفطية، والنفطية، والغازية الأخرى مقياس آخر، ونجاح لروسيا بزيادة صادراتها من المواد الغذائية عام 2018 مثلاً بنسبة 20% بمعدل 25 مليار دولار رقم مبشر ويدعو للتفاؤل، وكذلك الأمر بالنسبة لصادرات النفط، والغاز، والفحم، والذهب، والخشب، والسلاح، والمحطات النووية السلمية، وروسيا واسعة المساحة أكثر من 17 مليون كلم2، وعدد السكان فيها قليل ويبلغ أكثر من 143 مليون نسمة، وهو المحتاج إلى زيادة طردية، والخدمات الداخلية ذات التماس بحياة الإنسان من رواتب وتقاعدات، وتعليم، وطب، وشوارع داخلية بحاجة لتطوير أيضاً.
وعلى صعيد السياسة الخارجية لا تستطيع أمريكا أن تتعامل مع إقليم القرم الروسي مثلاً كما تعاملت مع الهضبة السورية الجولانية، ومجرد تعامل روسيا مع أمريكا في كافة المجالات المشتركة بالند للند رافعة تتفوق على دور المعارضة الروسية لأمريكا في كافة ملفات العالم، وهنا في الشرق الأوسط (في سوريا، وفي العراق، وفي ليبيا، وفي اليمن، وفي الخليج، وهناك في فينزويلا، وفي كوريا الشمالية، وفي اليابان). ولو تدخلت روسيا السوفييتية في العراق عام 2003 واستخدمت (الفيتو) كما تدخلت في سوريا عسكرياً عام 2015 روسيا المعاصرة لانقلب السحر على الساحر، ولتغيرت صورة الشرق وروسيا معاً، ولقد اعتدلت روسيا مع إيران في اتفاقها النووي (5+1) عام 2015، ولم تماحكها على طريقة أمريكا بأمر من إسرائيل، ولم تعادي إيران كما أمريكا، ولم تدعو لقلب أنظمة العالم مثلاً، ووسط كل أزمات العالم من اليابان، وكوريا الشمالية ومروراً بأزمات العرب، وحتى فنزويلا دعت للحوار، ولتغليب صوت الشارع، وصناديق الاقتراع، وهي أمور تدعم الرافعة الروسية للانتقال من المعارضة إلى السلطة عالمياً وعربياً، وتحديداً آن أوان الموازنة بين كل ما هو أمريكي وروسي ووضعه في الميزان، وعدم تفضيل طرف على آخر، بل الذهاب إلى إنصاف روسيا أكثرن وهي التي تطالب مثلنا بحدود الرابع من حزيران، وبحل الدولتين، وبالقدس الشرقية عاصمة الدولة فلسطين كاملة السيادة، وباحترام الوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبتجميد المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وبحق العودة والتعويض، وتقر بعروبة هضبة الجولان السورية والمساعدات الأمريكية ومنها العسكرية للعرب التي تصدرها العراق بأكثر من 5 مليار دولار، ثم مصر والأردن، وسوريا، والسلطة الفلسطينية، ولبنان، واليمن، من الممكن سد فجوتها والتغلب عليها بالاعتماد على الذات عربياً، وبلادنا العربية بخير ومصادرها النفطية والغازية وفيرة وغنية، وأمريكا طرف مستفيد من عقود السلاح مع العرب وبحجم ملياري دولاري كبير وصل مع إحدى الدول العربية فقط إلى 350 مليار دولار، والأهم هنا وبعد استماعنا للخطاب العربي في قمة تونس هذا العام والذي توافق مع الخطاب الروسي، وتعارض مع الخطاب الأمريكي على وجه الخصوص أن ننتقل من الاستماع لأمريكا لمرحلة مجادلتها وهي التي نصبت نفسها وكيلة لإسرائيل المتطرفة والمتطاولة على حقوق العرب، ولا مخرج لنا نحن العرب من دون فتح حوار على مستوى دولنا وشعوبنا أيضاً مع أمريكا وعلى مستوى النقابات، والأحزاب، والجمعيات، لتوصيل رسالتنا الحقيقية إليها. وأمريكا التي لا تلتفت إلى صوت الشارع العربي كثيراً، ولا يهمها النقد، ولا حتى مهاجمتها إعلامياً بسبب مواقفها المتطرفة من وسط ما تسميه بصفقة القرن المشبوهة، ولانحيازها الكامل لغطرسة إسرائيل واحتلالاتها، واستيطانها، وتماحك إيران وحرسها الثوري، وهي تخشى أصوات دولنا وخطاباتها الرسمية المواجهة لها وليس المعترفة بحقوقنا العربية فقط. وآن أوان إعلان الوحدة والقوة العربية الواحدة، ومنها غير التقليدية، وعلى مستوى الخطاب السياسي، والإعلامي، والاقتصادي أيضاً، ونعم للقطب العربي الواحد من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي الخالي من الاحتلالات الإسرائيلية، والإيرانية، وهذا ما نريده لقرننا الحالي والقادم من الزمن.