ما أن أعلن الملك عن مشروع نهضوي لدولته عنوانه الإنتاج في كتاب التكليف الذي جاءت به حكومة الرزاز، حتى وإستبشرنا خيرا وقلنا بأن الحال أخيرا سينعدل، وسيعم الخير في دولة لطالما تشتت فكرا وقضية وجهدا ومالا بين كثرة وتعدد توجهات رأس الدولة والذي بيده السلطات المطلقة.
كانت كثرة التوجهات وعدم المتابعة، والذهاب من توجه لتوجه آخر دون إكمال الذي قبله، سببا في تشتت عمل المؤسسات التي تسير وفقا لنغم وطني أكثر بكثير من خطة وإستراتيجية متبعة.
ولا نلوم سيد البلاد أمام هذه السياسة بكثرة التوجهات دون متابعة حثيثة، والتي كانت إستجابة لظروف مرحلية في غالب الأحيان، منها سياسية ومنها أمنية ومنها إقتصادية.
بالأمس القريب فصلت حكومة الرزاز فريقها في تعديلاته المتلاحقة لقيادة دفة المشروع النهضوي الملكي دولة الإنتاج والتكافل والقانون، ووضعت هدفا لها بخطط تنفيذية تنبثق عن إستراتيجيات لمختلف القطاعات، وجاءت دراسة حالة البلاد بتقرير تشخيصي يهيء للإنطلاق بشكل صحيح.
توافقت القوى والتيارات والأحزاب والمؤسسات والقطاعات، وتهيأت للبناء الفكري للمشروع، وأصبح قضية وهدف، وصار أخيرا الإكتفاء الذاتي والإعتماد على الذات ضالتنا المنشودة، وبدأت مكونات الدولة تتفهم معنى المنهجية وأهميتها لتحقيق الهدف وسبل تحقيقه.
وفجأة وإستجابة للأحداث رجعنا للمربع الأول، ونسينا كل الجهود السابقة، وتغيرت النغمة وأصبحنا نخرج بمسيرات داعمة للوصاية الهاشمية على القدس.
الوصاية الهاشمية على القدس أمر مطلق وعميق ولا يحتاج مسيرات، ويمكننا تدعيمه بتعميق البناء الفكري له، تماما كبناء رسالة عمان أو مشاريع ووثائق الأردن أولا.
بالمحصلة، نسينا مشروع النهضة الملكي دولة الإنتاج، وتبعثرت جهود الدولة ومكوناتها في هذا الخصوص، ونسينا أن قوة جبهتنا الداخلية وقوة إقتصادنا وإعتمادنا على ذاتنا هي أهم السبل لنستطيع تدعيم حقنا بالوصاية الهاشمية على المقدسات، فالفقر والبطالة وأعراضها تنخر بتماسك الجبهة الداخلية.
العتب شديد جدا على كل من يدعو ودعا للمسيرات الداعمة للوصاية الهاشمية على المقدسات، فهنا نعود للنغمة الوطنية والمفهوم والترجمة الخاطئان لمعنى الولاء.
الدولة اليوم تقف على مفترق طرق، فإما نبقى ندعو للوطنية والولاء بالشعارات والمسيرات بالسيارات الهمر ودراجات الهارلي الخارجة من الأحياء الراقية والمنعمين، وإما نشغل مصانعنا وندعم جودة ومنافسية منتجاتها، ونمكن إستراتيجياتنا ونطورها ونتابع تنفيذها خطوة بخطوة عبر الحكومات المكلفة، في مجالات المياه والطاقة المتجددة والزراعة والسياحة والخدمات، والبحث العلمي التطبيقي والإبتكار.
كنا في مجموعة إنعاش الإقتصاد الوطني أول من دعا للإنتاج والنهضة والإبتكار والإعتماد على الذات، وما زلنا وسبقى نرى أن البقاء بلا مشروع وقضية أمر يهدد بقاء وإستمرار الدولة الأردنية، وأن الوطنيات التقليدية والشعارات تزول بزوال كل من يجلس على كرسي ويعتبرها جذورا بينما هي زائفة وتنخر بأرجل الكرسي.
حمى الله الأردن وشعبه... وحمى الله الملك ويسر له البطانة الناصحة والتي لا تجامل وتداهن لتبقى على حساب ألم وجوع وصبر الناس، في المدن والقرى والبوادي والأرياف والمخيمات.