منذ سنوات والكتابات الاقتصادية تتحدث حول ضرورة إجراء مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية, خصوصاً المالية منها, تكون بمثابة تعديل جوهري لنهج الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي اتبع في الفترة السابقة وتبين انه سقط على المجتمع ب¯ "البراشوت ".
طبعا لم تجر مثل هذه المراجعة, ولم يستمع أحد إلى كل النداءات المتخصصة الني عارضت سياسات أتباع المحافظين الجدد وتجار الحروب ومغامري البورصات وانصار ما عرف عليه في الشارع العام بالليبرالية الفاسدة, إلى أن أوصلتنا تلك الفئة بمقدرات الوطن إلى حيث أوصل المحافظون الجدد بلادهم في الغرب, ولكن مع فارق مهم, وهو أن بلادهم تستطيع تحميل مأساتها لدول العالم في حين نتحمل نحن وحدنا عواقب مشاكلنا الاقتصادية.
لم نكن نتنبأ بالأزمة العالمية لكننا كنا على يقين تام بأن السياسات الاقتصادية خصوصاً السياسة المالية التي اتبعت خلال السنوات الماضية كانت ستوصلنا إلى ما نحن عليه الآن, فأنت لست بحاجة إلى شهادات تملأ الحائط حتى تتنبأ بإفلاس مغامر أو مسرف يصرف أكثر من دخله, ولم يكن أحد يتوقع استمرار الفقاعة المالية العالمية إلا السذج من صغار المتعاملين في البورصات الذين دفعوا مدخراتهم ثمناً لجهلهم.
لقد كنا من أوائل من عارض سياسات الليبراليين الجدد بحكم توجهاتهم الفاسدة في ادارة الدولة والانحلال الاخلاقي في التعاطي مع المؤسسات الدستورية ولم نكن الوحيدين في هذا المضمار, فغالبية الاقتصاديين والسياسيين كانوا ولا يزالون يعارضونها, قلة منهم في العلن والغالبية على استحياء, لأن الأكثرية لم تكن مستعدة لدفع الثمن, ولكن هل استمع إلينا أحد?! وحتى القلة التي استمعت لم تحرك ساكناً, ببساطة لأن معظم السياسيين ورجال الدولة انقلبوا من الدفاع عن القضايا والمواقف إلى الدفاع عن المصالح والمناصب...
ما معنى أن يستميت البعض في مهاجمة رموز الليبرالية الفاسدة الجديدة, وعندما ينجحون في إقصائهم, يستمرون بذات النهج الذي هاجموهم لأجله? أليس هذا دليلاًَ دامغاً على أن القضية بالنسبة لهؤلاء هي قضية أشخاص ومصالح ومناصب? وإلا كان الأولى أن يسعوا إلى تغيير النهج قبل الأشخاص..
لقد عارضنا نهج الليبراليين الفاسدين الجدد بموضوعية, من دون المساس بالأشخاص, عارضناه ولا نزال لأسباب موضوعية طرحناها امام العلن, لم يردوا على انتقاداتنا بذات الموضوعية وتعاملوا معنا على مبدأ "أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل", وبعد أن شتمونا وذهبت الإبل, أما آن الأوان أن تجري المراجعة للنهج قبل الأشخاص وعلى أساس القضايا والمواقف قبل المصالح والمناصب..??.0
salamah.darawi@gmail.com