الاشاعات التي راجت عن انقلاب عسكري في السودان وهروب البشير, وتلك التي قالت إن «المشير» يستعِّد لتنفيذ الخطة «ب», بعد فشل كل محاولات تنفيس الاحتجاجات أو إفشالها, وما راج عن سعي «البشير» للحصول على ضمانات مُحدّدة تتصِل بالوضع في البلاد وأخرى تتصِل بملف المحكمة الجنائية الدولية، تبدو كلها غير ذات صِلة بما يحدث في ميادين الخرطوم وساحات المدن السودانية الأخرى, وبخاصة بعدما فوجئ أركان النظام بعودة الزخم الجماهيري بعد ثلاثة أسابيع من الهدوء النسبي, الذي كان إعلان حال الطوارئ أحد أسبابه. لكن مناسبة السادس من نيسان وهي ذكرى عزيزة على السودانيين ومدعاة قلق للجنرال المقيم في القصر الرئاسي منذ ثلاثة عقود, وبخاصة أنها تُذكِّره بالخطوة الشجاعة التي قام بها الجيش لإسقاط نظام النميري الفاسد, وقيام الفريق سوار الذهب لاحقاً بتسليم السلطة للمدنيين بعد انتخابات ديمقراطية،عاد بعدها الجيش إلى ثكناته.
وصول الإحتجاجات الجماهيرية العارمة إلى ساحة القيادة العامة للقوات المسلحة السوادنية, وعلى مقربة من المقر الرئاسي, أقلَق الدوائر الأمنية المحيطة بالمشير, التي ردّت برعونة على المتظاهرين السلميين, ما أدّى لسقوط قتلى وعشرات الإصابات, لكن ما أثار فزعها هو قيام الجيش بحماية المدنيين وضرب طوق أمني حولهم لمنع قوات القمع الأمنِية والاستخبارية من الفتك بالجمهور. وهو الأمر الذي تم تفسيره على أنه موقف «مُتدحرِج» من الجيش, وخطوات قد ترتقي إلى السيناريو الجزائري, الذي انتهى بمطالبة الجيش الحازمة والحاسمة الرئيس بوتفليقة بالاستقالة.
من هنا جاءت تصريحات الناطق باسم الحكومة السودانية حسن إسماعيل, عن المعلومات «المُوثّقَة» المُتوفِّرة لدى النظام, حول حجم الأموال التي تصل الى المتظاهرين, لا سيما تجمّع المهنيين السودانيين (رأس الحربة في الاحتجاجات). لتُؤشِّر ضمن أمور أخرى على حجم الإفلاس السياسي والأخلاقي, الذي باتت عليه أجهزة النظام ورجالاته وبخاصة في استحضار نظرية المؤامرة الخارجية, واللجوء إلى سردية مُتهافِتة تتحدّث عن"الإمكانات الكبيرة التي تمّ توفيرها للحشد الجماهيري, والأعداد الكبيرة التي تم حشدها في الولايات, مع توفير التوصيل والسكن والمصروفات والإعاشة». وهي سردية ضعيفة تلجأ اليها أنظمة فاسِدة وفاشِلة لشراء الوقت, وبخاصة سعيها للإيحاء أو التحذير من «حرب أهلِية مُحتملَة الوقوع, بسبب حال الإستقطاب السياسي الحاد»، على ما زعم مُتحدِّث الحكومة السودانيّة. التي هي في وضع شلل كامل, بعد وصول مساعيها لقمع الحِراك الشعبي إلى طريق مسدود, ولم يعد في جعبتها ما تَعرِضه منذ اندلاع هذه الاحتجاجات في (19/ 12/ 2018).
قول المشير البشير إنّ «وسائل الإعلام السودانية وغير السودانية تسعى لتضخيم المشاكل والصعوبات الاقتصادية, التي يُعاني منها السودان بهدف «استنساخ» ربيع عربي في بلاده» تبدو هي الأخرى مؤشر إفلاس وانعدام قدرة على استخلاص دروس التاريخ السوداني وعِبره. وإلاّ فإنّ الجنرال الذي لجأ إلى كل «أسلحة» للتهرّب من دفع استحقاق فشل نظامه وإفلاس إنقلابه، بات عليه اتخاذ القرار «الشُجاع» الذي طال انتظاره بالتنحي, وإلاّ فعليه تحمّل عواقب عناده وإصراره على زجّ البلاد في أتون «فِتنة» يُروّج لها أركان نظامِه المُترنِّح.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي