أما قبل: فدقيقة الصمت (يشار إليها أحيانًا بلحظة الصمت) هي فترة من التأمل الصامت أو الصلاة أو التفكر أو الارتكاس حزنا على من ماتوا مؤخرًا، أو كجزء من حدث تاريخي مأساوي، وعلى غرار رفع العلم لمنتصف الصاري الذي تقوم به الدول في حالة الحزن، وغالبًا ما تكون لحظة الصمت هذه إشارة إلى الاحترام والتقدير، والتأثر بالموقف المأساوي.
وبالمفهوم العسكري، الذي هو أصل هذا الطقس، يعني ان يتفرغ المقاتل اثناء العمليات الحربية، وأزيز الرصاص وقصف العدو المستمر، لعملية دفن زملاء ورفاق الحرب من القتلى العسكريين، والوقوف بصمت وحزن، لوداعهم الأخير كونهم يدفنوا بأرض المعركة بعيدا عن اهاليهم، واجلالا لهم ولتضحيتهم وبطولاتهم العسكرية.
وهذا التفرغ يكون ايضا للتأكد من وفاة العسكري بالفعل، وأنه ليس في حالة غيبوبة أو في سبات عميق، ولحمايتهم من التشويه أو السلب، أو نهشات الطيور الجارحة والكلاب الضالة، أو جرهم بواسطة الزبالين. فليس الموقف مجرد ذكرى واحترام فقط، ولكنه تعهد ووفاء بدفن زملاء الحرب، والمحافظة على شرف جثامين قتلى الحرب من الاعتداء والتحلل.
وأما بعد: فان ما يحدث في كثير من المؤتمرات العربية، والجلسات الحكومية الرسمية، والبرلمانية، وحتى المناسبات والاجتماعات غير الرسمية، من الوقوف دقيقة صمت، على روح من مات جراء كارثة مأساوية، او استشهد في لقاء العدو، (وليس لنا أعداء سوى الغاصبين للقدس واخواتها من مدن فلسطين، وبنات عمها العربيات مثل الجولان السوري،) انما يثير هذا الوقوف الصامت، الغضب والنقمة والاستفزاز، فكأنما الشعوب العربية هي في حالة حرب وحراك ومطاعنة (والدم للركب) فلذلك تتوقف دقيقة صمت احتراما لهذا المقتول او الشهيد !!!
ونحن كعرب ومسلمين لا تمت لنا هذه الدقيقة بصلة دينية، وليس من تراثنا الإسلامي الوقوف صمتا على الميت او الشهيد، بل نقف للصلاة عليه، ونقرأ الفاتحة وندعو ونترحم عليه.
من أي انشغال يقف هؤلاء صمتاً؟؟ الم نمل الصمت والجمود، ألم نمل الوقوف والجلوس دهراً، منذ
واحد وسبعين عاما او قبلها، الم نخجل من ولواذنا خلف الأمكنة، ننظر من ثقب الباب، فنسمع صراخ الثاكلات، واستغاثات المآذن والكنائس جنبنا، ونرى مصارع القوم في القدس تترى، يقتلنا الخوف والرعب، ثم نجلس نحمد الله على سلامة رؤوسنا وأمننا وامان أطفالنا، وتوفر قوتنا ومحافظنا وارصدتنا في البنوك.
اليس الاجدر ان تكون دقيقة تكبير وحركة، بدل الوقوف والصمت !! هل نلوذ من الصمت بالصمت، ومن الوقوف بالوقوف!! فيما الصمت والوقوف؟! والعالم يتحرك لتصفية القضية الفلسطينية، ومصادرة حق الوصايا الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتفريغ فلسطين من سكانها وإقامة المستعمرات، ونقل السفارات الأجنبية للقدس اعترافا بتهويدها، وطمس معالمها العربية.
نعم لحراك الملك المستمر في الداخل والخارج وصراخه بأعلى صوت كلا كلا كلا ...واستنهاضه لهمم الرجال الرجال والنخب في هذا الوطن المرابط من اكناف بيت المقدس، المضمخ ترابه بدم الشهداء من الصحابة والقديسين والانبياء...ليرفضوا الضيم والخنوع، ونفض الأوهام والضلالات عن أنفسهم وعن الوطن ...نعم للوحدة واللحمة الوطنية للوقوف بوجه الفئة الضالة والمضللة ن الداخل والخارج، ولا للوقوف صمتا ولو لدقيقة واحدة.