نصٌّ دستوريّ بحاجة للتفسير
علاء مصلح الكايد
09-04-2019 02:56 PM
تطرقت في بعض مقالاتي منذ ثلاثة أعوام حتى تاريخه للنصِّ الإنتقاميّ المُضاف إلى عجز المادّة (٧٤) من الدّستور و الذي جاء فيه " الحكومة التي يُحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها " .
والحقيقة أنّ السطر الأخير منها خالف أصول الصياغات التشريعية و إبتعد عن الغاية المتوخّاة منه ، كما تعرّض - في شبهةٍ دستوريّة - لصلاحيّات جلالة الملك ، فوفقاً لمبدأ الفصل بين السُّلُطات و قرارات المجلس العالي لتفسير الدستور ، للسُّلطة التنفيذيّة - التي يرأسها الملك - حقّ ممارسة أعمالها في إدارة شؤون الدولة مع تقييد تلك الأعمال بالرّقابة اللّاحقة للبرلمان و حقّه في نقض أيّ منها عبر الأدوات الدستوريّة .
و عليه ، فإنّ الحقّ محفوظٌ بالمقابل لمجلس النوّاب في رفض تولّي شخصٍ معيّن رئاسة الحكومة عبر الثقة التي يمنحها أو قد يطرحها بالرئيس أو بعض أو أحد وزراء الحكومة لدى تكليفها و في أيِّ وقتٍ بموجب المواد ( ٥٣-٥٤ ) من دستورنا .
و لم أجد مثيلاً لهذا النصّ المانع في دساتير العالَم كافّة ، فضلاً عن أنه لا يحقّق غاية تحصين البرلمان من الحلّ كما أنّ أثره - رحيل الحكومة - يضاف لمدّة لاحقة لا يكون فيها البرلمان موجوداً من حيث الأساس بل إنقضت ولايته و لم يعُد صاحب سُلطةٍ دستوريّة أو قرار ، ممّا يجعل الإجراء مبتوراً من الناحيتين الديمقراطية و السياسية كذلك .
و لو أنّ الإضافة - رغم المآخذ القانونية عليها - إستثنت حالة الحلّ الطبيعيّ للمجلس النيابيّ المنتهية مدّته وفقاً للمادة ( ٦٨ ) من الدستور لتجاوزنا عن باقي العيوب التشريعية للأمر ، لكن أن يترتّب الجزاء السّياسيّ المتمثِّل بالرّحيل على حكومةٍ أدّت الواجب الدستوريّ لدى الإستحقاق و نسّبت بحلّ المجلس تمهيداً لإجراء الإنتخابات في ميقاتها فهذا عيبٌ و شططٌ تشريعيّ ، و يتضح أن النيّة قد إنحرفت عن مقترح " اللجنة الملكية لتعديل الدستور " والتي كانت تصبو لإعادة إنتاج
نصٍّ قريب من ذاك الذي أُدخل للدستور عام ( ١٩٥٤ ) و رُفِعَ عنه في ( ١٩٥٨ ) الموجب لرحيل الحكومة المنسِّبة بالحلّ إذ أوجب إستقالتها و إجراء الإنتخابات بحكومة " إنتقاليّة " تماماً كما هو حال الحكومة التي تجري الإنتخابات ثم ترفع إستقالتها للسدّة الملكيّة سنداً للعُرف الدستوري وقد يعتد تكليفها ، لكنّ الحُكم جاء بالصيغة المُنتَقدة القاسية دون قيد أو شرط يُميّزُ بين حالة الحلّ الطبيعيّة و الإستثنائيّة كأسبابٍ موجبةٍ له .
لذا ، و حتى لا ندخل في جدل تعديل دستوريٍّ للمادة ، من الممكن إستفتاء المحكمة الدستورية لمعرفة القصد الذي ذهب إليه المشرِّع إن كان يميّز بين الحلّ الإستحقاقيّ أو الإستثنائي للبرلمان ، طالما أن التفسير جزءٌ مكمِّلٌ للدستور و لم تستقرّ الحالة - الرحيل المزدوج - لتشكل عرفاً دستوريّاً إذ لم تتكرّر سوى مرتين منذ إضافة النصّ فضلاً عن أنّ الغاية من النصّ كانت واضحة في حينه و هي الحدّ من إستخدام الحكومات لحقّها الدستوري بالتنسيب لحلّ مجلسٍ قبل إنتهاء مدّته الدستوريّة .