هل تعيد الحكومة تشكيل عقليتها في تشغيل الشباب
طارق زياد الناصر
08-04-2019 07:18 PM
هل من الممكن البدء من جديد بالمشاريع الصغيرة أو متعددة الشركاء كأحد حلول مشكلة التشغيل والبطالة؟ هل يمكن أن تساهم الحكومة مجددا بإحياء الأسواق من خلال توفير التمويل اللازم للشباب؟ هل يمكن أن تستغني مؤسسات الدولة مثل الصناعة والتجارة والبلديات وغيرها من الجهات عن رسوم الرخص الممنوحة للشباب لمدة عامين أو ثلاثة على سبيل التقدير؟ أو هل يمكن التخفيف من الشروط التعجيزية للمشاريع الذاتية محدودة التمويل؟ أو إعادة صياغة آليات التمويل الجماعي أو الصغير للشباب؟ بالمجمل هل الحكومة مستعدة لإعادة تشكيل عقليتها كما تنوي العمل على عقول الشباب؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة من قبل الحكومة إن توفر الرد، لا بد من الإشارة إلى مجموعة من التفصيلات التي قادتني لتقديم هذه الأسئلة في ظل أزمة التشغيل التي يعاني منها الشباب المُعطل عن العمل، والتأخر الحكومي في اتخاذ إجراءات حقيقية لتحفيز الشباب على بناء مشاريع خاصة تسهم في تنشيط السوق وإعادة تشكيل السلوك الشرائي بعد موت الكثير من الاستثمارات الفردية الصغيرة لحساب الأسواق والشركات الكبيرة وقوتها التسويقية التي منحتها القدرة في السيطرة على الحصص السوقية الأكبر دون المساهمة في توفير فرص عمل عادلة وكافية، ومما تجب الإشارة له أيضا أن الحكومة لم تقدم للرأي العام الأردني مادة واضحة عن قيمة التمويلات التي منحتها من خلال نوافذها التمويلية للمشاريع الصغيرة مثل صندوق التنمية والتشغيل، ولم نرى في وسائل الإعلام مادة تقدم مشاريع ممولة ناجحة أو فاشلة ونسبة هذا لذاك، ما يعني تقصيرا حقيقيا لوسائل الإعلام بدعم هذا الدور إن وجد.
باعتقادي الأمر يتخطى مبدأ اتخاذ قرار حكومي بتوفير تمويلات لمشاريع جماعية أو مشاريع صغيرة، ليس فقط لأنه قرار بسيط لا يحتاج للكثير من الوقت لدراسته أو الجرأة لاتخاذه، بل لأنه أيضا يحتاج لبيئة استثمارية إيجابية قادرة على خلق ميزات سوقية لمشاريع الشباب بالتزامن مع تقديم التمويل والتدريب والإسناد المعرفي الذي يحتاج أيضا لكوادر مدربة ومؤهلة للعمل مع الشباب.
أضف إلى ذلك أن غعادة تشكيل العقول ليس أمرا سهلا كما تظن الحكومة، ولو كان سهلا لكنا اليوم أمام حكومات لا تكرر نهج من سبقتها مع اختلاف طريقة التقديم، ولكان القرار الحكومي أكثر فعالية وأقرب إلى الشارع وأكثر قبولا، وما نحتاجه فعليا هو تغيير النهج الحكومي وإيجاد سياسات فعالة تتصل بالواقع وترتبط بتحدياته خاصة في ظل الفهم الواضح لدى دولة الرئيس في أن أزمتنا الحقيقية هي أزمة البطالة، وأن الخروج من هذا التحدي هو أول طريق مواجهة التحديات المختلفة بقوة.
عائق كبير يواجهه الشباب في حال فكروا البدء بمشاريعهم الخاصة وهو مقدار الرسوم المطلوبة منهم للبلديات ومديريات الصناعة والتجارة وبعض الجهات التي يتوجب عليهم أخذ موافقة مسبقة منهم، ما يعني دفع رسوم هنا وهناك تزيد من تكلفة المشروع دون التقدم خطوة واحدة فيه، يضاف إليها فيما بعد رسوم وضرائب سنوية لا تقدر الظروف المعيشية للشباب وإنما تتعامل معهم كمستثمر يتوجب عليه تقديم هذه الحصص المالية، مع العلم أن الحكومات المتعاقبة منحت وتمنح المشاريع الضخمة إعفاءات بالملايين ولم تكن لهذه الإعفاءات نتائج ملموسة على الواقع المعيشي، وفي الوقت نفسه لم تقدم هذه الحكومات للشباب أي ميزة تنافسية في حال لجوئهم لمشاريع ذاتية لتشغيل انفسهم، وهو قرار يحتاج لجرأة منقطعة النظير ورؤية سياسية مدروسة تنسجم مع توجيهات جلالة الملك الدائمة للحكومات بإتاحة الفرص وإزالة العوائق أمام الشباب.
بكل بساطة إذا ما وجد القرار السياسي المطلوب لدعم الشباب سيعاد تشكيل قيم السوق المحلي وتنشيط القوى الشرائية والإنتاجية بما يحقق فرص عمل حقيقية وتنافسية اقتصادية لحساب المشاريع الصغيرة، وبالتالي التخفيف من أعباء التشغيل الحكومي وحفز المجتمع على الإنتاج، وذلك يتطلب أيضا إجراءات مبسطة للحصول على التمويل والتراخيص من الجهات المعنية، بالإضافة إلى التأهيل المالي والتسويقي للشباب، وربط ذلك بقاعدة بيانات حقيقية يمكن العودة لها عند الحاجة لتقييم التجربة.