الانتخابات الإسرائيلية وورقتا واشنطن وموسكو
د.حسام العتوم
07-04-2019 02:54 PM
لم يتحرك بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس حزب الليكود اليميني المتطرف الحاكم صوب واشنطن وموسكو من فراغ قبيل الانتخابات البرلمانية للكينست المزمع عقدها في التاسع من شهر نيسان الحالي 2019، والتي تحمل رقم 21 منذ قيام الكيان الإسرائيلي الاحتلالي عام 1948، وهو يعرف حق المعرفة بأن حراك الأحزاب الإسرائيلية والتي في مقدمتها حزب (إسرائيل القوية) لقائده بيني غينتس يهدد مقعده والليكود في رئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة خلال شهور محدودة من عقد انتخابات الكنيست خلال أيام. ولقد حمل نتنياهو في سلته السياسية إلى أمريكا وروسيا هموم وهواجس أمن إسرائيل الاحتلالية الاستيطانية غير الشرعية في أراضي العرب، والجاذبة ليهود العالم إلى داخل مشاريعها الاستيطانية، والمهجرة للعرب من أراضيهم وأوطانهم التاريخية، وشكلت الزيارتان اهتماماً لدى وسائل الإعلام العالمية المختلفة ومنها قناة العربية (الحدث) من دبي، وهي التي أجرت معي مقابلة على عجالة من وسط نشرتها الإخبارية بتاريخ 4 نيسان الحالي، والتي تحدثت فيها عن مغزى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لموسكو من دون تفاصيل مطولة. والأهم هنا هي الوقاحة الإسرائيلية التي قدمها نتنياهو في واشنطن بتاريخ 25/آذار/ المنصرم من هذا العام 2019 والتي دفعت بالرئيس الأمريكي الجمهوري غير المتزن والمصنف من خارج عالم السياسة دونالد جون ترامب لكي يوقع على أسرلة الجولان جهاراً نهاراً، وبغطرسة مشتركة مع نتنياهو، بينما هي القرارات الشرعية الدولية للأمم المتحدة ولمجلس الأمن 242، 338، 497، والهادفة لحلول حاسمة شرق أوسطية، وفي فلسطين، والجولان تحديداً واضحة، وإسرائيل ومعها أمريكا ستبقيان الخاسرتان إعلامياً مهما ححقتا من أرباح سياسية وعسكرية من خلال خلقهما للازمات العالمية بدلاً من حلها والذهاب لتطبيق شريعة الغاب.
ولقد أضاعت أمريكا بالذات قبل إسرائيل الاحتلالية الاستيطانية، الفرصة أمام التاريخ لكي تنصف العرب وقضاياهم الاحتلالية التي أقرت الأمم المتحدة ومجلس الامن بعدالتها، واعتبرت العرب كما إسرائيل حلقة ضعيفة في الصراع، ولن يكونوا يوماً قادرين على الوحدة الحقيقية، وممنوع عليهم دخول النادي النووي العسكري العالمي بطبيعة الحال كما إيران المتشددة أيدولوجياً، والمهددة لأمن إسرائيل حسب اعتقادهما، بينما هي إسرائيل وليس العرب خط أحمر بالنسبة لأمريكا ومن حقها أن تكون نووية السلاح، وهو ليس بغريب ما دامت الصهيونية هي حاكمة العالم من وسط مؤسسة (الأيباك) منذ عام 1951 التي تأسست على يد اليهودي الأمريكي (سي كنن) في عهد الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهور" تحت اسم اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة، واختراقها "للكونغرس" و "للبنتاغون"، ولكبريات مؤسسات العالم السياسية والاقتصادية.
والقادم من التاريخ سينصف العرب من دون أدنى شك وقضاياهم العادلة ستدفعهم للوحدة لا محالة، وللحصول على مصادر القوة العسكرية، ولتشكيل القطب العربي الواحد الاقتصادي، والسياسي، والإعلامي، والعسكري، القادر على مواجهة التحديات الناخرة وسط عمقهم من إرهاب واحتلال، والمحبطة لإرادتهم الجماعية، والاحتلال الإسرائيلي لاراضي العرب إلى زوال ما دام الاحتلال واقعاً تحت الهدف العربي المشترك، والقطب الواحد الأمريكي سيندثر آجلاً أم عاجلاً ما دام عالم الأقطاب المتعددة والمتوازنة بقيادة الفدرالية الروسية في صعود ونجاح، وفي زمن تمثل فيه أمريكا "السلطة" وتمثل فيه روسيا "المعارضة"، ستكون الغلبة للمعارضة الروسية ولصوت الشعوب العربية المظلومة والمقهورة.
وإسرائيل وأمريكا صنعا صفقة القرن ومن خلفهما الصهيونية ليساهموا أيضاً في الإبقاء على التطرف اليميني الإسرائيلي ماثلاً، وهي الصفقة وتبعاتها التي يرفضها العرب، ومؤتمرهم الأخير في تونس خير شاهد، وحراك جلالة الملك عبد الله الثاني "حفظه الله"، السياسي وسط العرب، وفي أوربا، وفي أمريكا، وخطابات جلالته المنصفة للقدس، وللدولة الفلسطينية، وللوصاية الهاشمية، وللجولان العربي شاهد قوي ايضاً.
وإلى موسكو طار نتنياهو بتاريخ 4 نيسان الجاري شاكراً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مساعدة جيشه الأحمر في العثور على رفات الجندي الإسرائيلي (زخريا باومل) الذي سقط قتيلاً في معركة السلطان يعقوب على الأرض السورية أثناء اجتياح بيروت عام 1982، ولم يكن وحيداً وقتها، ولنفس السبب لكي يسجل نجاحاً انتخابياً برلمانياً آخر، واستمعت موسكو منه إلى ملف تطورات الأحداث في الشرق الأوسط، ولم يكن غريباً بالنسبة لنا نحن العرب أن يوافق الرئيسان بشار الأسد، وفلاديمير بوتين على مسعى نتنياهو هذا، وهما اللذان لم يربطاه بالرسم البياني لانتخابات إسرائيل البرلمانية المقبلة هذا العام، ولكون أن التطرف في إسرائيل باقٍ مهما كانت نتيجة الانتخابات، ولروسيا دين كبير في رقبة سوريا بسبب حمايتها من السقوط بيد الإرهاب والذهاب إلى عدم الاستقرار الدائم وإلى العنف.
والأهم هنا هو موقف روسيا المعارض لصفقة القرن المشبوهة، ولأسرلة الجولان، وعدم مجاملة إسرائيل بذلك، في زمن تبحث فيه تل أبيب عن أماكن صيد سياسي لسنارتها وسط القيادة الروسية وخارجيتها، عبر رفات الجندي، ودعوة الرئيس بوتين لزيارة القدس لافتتاح نصب تذكاري جديد لضحايا حصار مدينة ليننغراد (سانت بيتربورغ)، والتي قبلها بوتين بدوره، وعبر التلميح لموسكو بأن إيران تهدد أمن إسرائيل عبر محاولتها لصناعة السلاح النووي سراً، وبأن وجودها في سوريا يشكل خطراً عليها، وبأن حزب الله خطير على إسرائيل، ومن خلال إعطاء إشارة لخطر المنظمات الفلسطينية الراديكالية على أمن إسرائيل والتي في مقدمتها (حماس) (والجهاد) من دون إعطاء أهمية إسرائيلية لقضايا الاحتلالات والمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية بالطبع، وبكل الأحوال تبقى إسرائيل تشكل الميزان في واقعها الاحتلالي والاستيطاني غير الشرعي والمؤسف، بين أمريكا وروسيا وسط قضايا الشرق الأوسط، وهنا أدعو لكي يتعافى الصوت السياسي الأمريكي من البحة والحشرجة الصهيونية، ولأن يتماثل للشفاء على غرار الصوت الروسي السياسي العادل، ولا يوجد أحد على خارطة العالم، ولا جهة، أو مؤسسة عاقلة تقبل باستمرار احتلال إسرائيل لأراضي العرب، ولإغراقها بالمستوطنات غير الشرعية، بينما هم العرب أصحاب الحق والتاريخ ينتظروه المستقبل، وأهلهم الفلسطينيون مهجرون في أصقاع الأرض.
ويحدونا الأمل هنا بأن لا تنصاع روسيا للعروض الإسرائيلية الهادفة لكي تنزلق عن مسارها السياسي العادل والثابت لا سمح الله، والتاريخ يراقب ويسجل، وحدود الرابع من حزيران يجب أن تبقى واضحة والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية آن لها أن تظهر، والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية ستبقى حاضرة، والهضبة السورية الجولانية ستبقى عربية، وكلنا ثقة بأن كل ما يقع تحت ظلم إسرائيل وأمريكا ستنصفه روسيا صديقة العرب وإسرائيل معاً وليس كما أمريكا التي تفضل إسرائيل على العرب.