الرأي العام هو ذلك التعبيرالعلني والصريح الذي يعكس وجهة نظر الأغلبية تجاه قضية معينة في وقت معين، أما رأي الشارع فهو رأي الفئة المستطلعة عن طريق اللقاء المباشر بينها وبين الباحث الذي يقابلها فعليا في الشارع. وعادة ما يستخدم تعبير رأي الشارع في العالم العربي عموما لأن أدوات قياس الرأي العام لا يتم تفعيلها غالبا لقياس ردود الفعل العربية تجاه القضايا المستجدة، لأن هذا الرأي لا يحسب له حساب في اتخاذ القرارات بشكل عام.
الرأي العام في الدول المتطورة هو مصدر هام لحصانة أهداف الشعب من التطاولات الحكومية، وهو عنوان لضبط التوازن السياسي حيث تكون سلطة الشعب طرفا هاما لا يمكن تجاهله في اتخاذ القرارات التي تمس المواقف السياسية والحياة الاجتماعية، وتكمن قوة الرأي العام في قوة وسلطة الشعب في الضغوط التي يمارسها على الأحزاب السياسية لتطرح برامج تراعي متطلبات الشعب ومقتضيات الحالة السياسية، وتكمن كذلك في اختيارالشعب للنخب التي تمثله في هذه الأحزاب والبرلمان الذي يجب أن يراقب الشعبُ أداءه ليقيس دوره وليسد المجال أمام أي اتفاق بينه وبين الحكومة.
إذا كانت الديمراطية تُعرّف بسلطة الشعب وتجسّد ذلك المفهوم بالحكم البرلماني، فإن الديمقراطيات الوهمية أو غير الناضجة لا يعكس الأداء البرلماني فيها الطموحات والمطالبات الشعبية ولا يستمد برلمانها قوته من قاعدته الشعبية، ويبقى تغيير أو استبدال صناع القرار دون تغيير النهج السياسي غير مؤثر في تغيير الواقع ولن يحقق ما هو مأمول.
يصل الشاب في بلادنا العربية إلى سن الرشد الذي يخوله بالتالي ليمارس دوره السياسي ويصبح قادرا على الإدلاء بصوته في الانتخابات، ولكن هل بلوغه سن الثامنة عشرة يعني بالضرورة بلوغه مستوى الرشد السياسي في بيئة دراسية حُرِم خلالها من تلقي أي تثقيف سياسي طوال سنواته المدرسية وحتى الجامعية، اللهم إلا إذا تخصص في مجالٍ سياسي؟ ليس غريبا إذا أن تُستغل أصوات هؤلاء الشباب ليتم توجيهها على أساس صلة القرابة وليس على أسس برامجية، وخاصة أن طموحات هؤلاء الشباب تنحصر في تحقيق مصالحهم الذاتية عن طريق ممثليهم، وذلك بعد أن أدركوا أنهم حتما غير قادرين على تحقيق أهداف على مستوى المجتمع أو الدولة فاكتفوا بمحاولة تحقيق أحلامهم الشخصية هذا إن تسنى لهم ذلك.
في خطواتنا المتثاقلة نحو الديمقراطية والانتخابات الفاعلة، هل يمكن الأخذ بعين الاعتبار أدوات العصر التكنولوجية كالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والتعويل عليها كأدواتٍ بديلةٍ لخلق الوعي السياسي وبالتالي لتشكيل الرأي العام الواعي؟ أم ستشكل كل صفحة من هذه الصفحات رأيا خاصا بها بغض النظر عن عمق معرفتها السياسية أو خبراتها الاجتماعية؟
بعد أن تقاعس الإعلام عن أداء مهامه في التوعية والتثقيف، وبعد أن تم تهميش دور المدارس والجامعات في خلق هذا الوعي والتثقيف، هل تمارس النخب دورها بخلق الوعي وبالتالي في التأثير في اتجاهات الرأي العام للمتفاعلين على صفحات التواصل الاجتماعي؟ وهل لا زال الشباب يثقون بوجود نخبة في المقام الأول؟ وهل الأحزاب بعيدة عن تنظيم نفسها وطرح برامجها من خلال هذه الأدوات التي لم يسبق أن توفرت في التاريخ والتي تستطيع من خلالها الوصول إلى قواعد شعبية غير محدودة؟ لم تعد الأغلبية صامتة، ولكن، هل يعبر صوتها عن رأي عام أصلا أم أنه مجرد ضجيج وفوضى ورأي غير ناضج وبالتالي غير فاعل؟ تبقى الكثير من الأسئلة معلقة وبحاجة لإجابات واضحة على الأقل لمساعدة الأغلبية التي لم تعد صامتة، على ممارسة حقها في التعبير عن نفسها ولكن بصورة واعية وفاعلة.