بعد سنوات عجاف .. ماذا تعلمنا؟
فهد الخيطان
07-04-2019 12:41 AM
عانى الأردن لسنوات من فوضى الأولویات الوطنیة، أو لنقل بدقة أكثر ان السنوات الثماني الأخیرة التي عاشھا الإقلیم حالت دون التفكیر والتخطیط للمستقبل، وفرضت على الدولة سیاسات طارئة وإجراءات إضطراریة، بنفس الوقت الذي أصیب فیھ القطاع الخاص بالشلل مع تراجع فرص التصدیر للخارج، وانخفاض مردود قطاعات أساسیة كالسیاحة والخدمات اللوجستیة.
برامج الاصلاح المالي والاقتصادي كانت الخیار الوحید لمعالجة الاختلالات العمیقة في موازنة الدولة وأبرزھا العجز والمدیونیة المتفاقمة ونسب النمو المتواضعة جدا. وكان لھذه البرامج كلف اجتماعیة واقتصادیة باھظة، سیستمر أثرھا السلبي لسنوات قلیلة مقبلة.
لكن الانفراج النسبي للأوضاع الإقلیمیة واستقرار الحالة الأمنیة في دول الجوار، مع الخبرة المكتسبة في التكیف مع الظروف المحیطة، منحت الأردن فسحة من الوقت للتخطیط وترتیب الأولویات للفترة المقبلة.
لقد علمتنا تجربة السنوات الماضیة مدى الحاجة للاعتماد على الذات وتطویر قدراتنا الوطنیة لتحقیق التنمیة وخلق فرص العمل ومواجھة تحدیات مثل الفقر والبطالة برؤیة جدیدة تعتمد بالدرجة الأولى على تنمیة المھارات لدى الشباب،واستعادة بریق الموارد البشریة الأردنیة التي ظلت لعقود طویلة میزة في المحیط العربي.
لفترة سابقة تمسكنا بسیاسة مفادھا أن التغلب على مشكلة البطالة مرھون بقدرتنا على جذب استثمارات أجنبیة للسوق الأردني. لیس ھناك خلاف على صحة ھذا التوجھ، فھو مایزال مطلوبا ولایجوز التخلي عنھ كاستراتیجیة دائمة. لكن كان علینا اختبار سیاسات وطنیة تساھم إلى حد كبیر في تحقیق التنمیة والتشغیل وتخفیض معدلات البطالة، وھو مابدأنا بفعلھ حالیا، وأعني تطویر قطاع المشاریع الصغیرة والمبادرات الریادیة والشبابیة، ودعم الأعمال الإنتاجیة الموجھة في قطاعات زراعیة وصناعیة وخدمیة، خاصة في المحافظات.
وإضافة إلى ذلك الدخول في تحد طالما تناولناه بالتنظیر دون أفعال، وھو العمل بشكل جدي لإحلال العمالة الوطنیة مكان الوافدة في مھن وقطاعات یمكن للشباب الأردنیین العمل فیھا دون شعور بالحرج أو قلة العائد المادي.
كان مرد الفشل المزمن، سیاسات التعلیم التي توسعت بشكل ھائل في المسار الأكادیمي على حساب المسار المھني. في الآونة الأخیرة فقط بدأنا العمل جدیا على كسر ھذا النمط القاتل من التعلیم عن طریق برامج التدریب المھني التي تبنتھا الحكومة. لكن ھذه البرامج على أھمیتھا لاتكفي لاحتواء المشكلات إذا لم تواكبھا تغییرات جذریة في سیاسات التعلیم العالي والقبول الجامعي.
المھم في الأمر أننا وبعد نقاش طویل ومخاض عسیر، حققنا مایشبھ التوافق الوطني على برنامج عمل للمستقبل یعالج قضایا البطالة والتشغیل، وتخطي ثقافة الوظیفة الحكومیة، وتنمیة المھارات، وكسب الاحترام والتقدیر لثقافة الشغل والعمل الحر والتأھیل المھني. ولغایة الآن تبدو الاستجابة الاجتماعیة لھذه التحولات مقبولة ومبشرة.
على مستوى القطاعات الكبرى، انفتحت آفاق واعدة أمام الصناعات والزراعة الأردنیة مع إعادة فتح أسواق العراق وسوریة وتنشیط أسواق خلیجیة واعدة. وفي الأفق تعاون مثمر بین الثلاثي الأردني المصري العراقي.وتحسن فرص التجارة مع أوروبا بعد تعدیل اتفاقیة المنشاة لزیادة حجم الصادرات الأردنیة.
الاستقرار النسبي في المنطقة العربیة، وقدرة الأردنیین على اختبار الفرص وسط الأزمات، مصحوبا بتخطیط سلیم، أعطانا قدرا من التفاؤل بالمستقبل.
الغد