لا أرید الخوض في تقریر صحفیة، حول تفاصیل صفقة القرن، التي تتحدث عن دفع عشرات الملیارات لنا مقابل توطین ملیون فلسطیني في الأردن، بمن فیھم أبناء غزة، المقیمون، ھنا، ومنحھم أرقاما وطنیة، لأن المصدر غیر موثوق، وقد تكون المعلومات مسربة لغایات معینة، ومسمومة، أیضا، وتھدف إلى بث الشكوك والاضطرابات في الأردن.
الأھم یتعلق بالخطة التي یضعھا الأردن للتعامل مع صفقة القرن اذا تم الإعلان عنھا فعلیا، ونحن نستبق میقات الإعلان – اذا لم تتراجع واشنطن عنھ مجددا – لنسأل عن الخطة التي لدى الأردن للتعامل مع ھذه الصفقة إذا أعلنت وفقا للتفاصیل التي تتسرب، سواء سداد دیون الأردن، او إقامة مشاریع، مقابل تبادل أراض، أو توطین الفلسطینیین، أو حتى دور أردني في الضفة الغربیة، وغیر ذلك من تفاصیل، تتغیر كل فترة، امام كثرة التعدیلات الأمیركیة؟.
الأردن أبلغ واشنطن، اعتراضھ على تفاصیل كثیرة، والواضح ان واشنطن، قد تأخذ في حساباتھا بعض الاعتراضات، لكن ھناك عناوین أخرى، لن تأبھ واشنطن بردود الفعل ضدھا.
ھل ستعلن واشنطن تفاصیل ھذه الصفقة، وتترك التنفیذ اختیاریا للدول، ام انھا سوف تجبر الدول على التنفیذ، بوسائل كثیرة، ومعنى السؤال یأخذنا الى الطریقة التي ستدیر فیھا واشنطن ھذا الملف، واذا ما كان تجاوب الأردن، طوعیا، ام اجباریا، تحت وطأة ضغوط وتھدیدات كثیرة لھا بدایة او نھایة؟.
لا یمكن لھذه الصفقة أن تمر، دون موافقة الفلسطینیین أولا، والأردن، كما اشیر مرارا یراھن على رفض الفلسطینیین، وھو رفض منتظر من سلطة رام الله، على الرغم من كل الشكوك في السلطة، خلال السنین الفائتة، لكن قدرة رام الله، على التجاوب مع حلول تصفویة، تبدو منعدمة، خوفا من الغضب داخل فلسطین، ولعدم وجود جرأة لدى أي مسؤول فلسطیني، على تمریر أي حل، حتى لو كان مقتنعا بھذا الحل.
ھذا یعني أن ھناك اطواق نجاة متاحة، یضاف الیھا الموقف الأوروبي، لكن المشكلة تكمن في حقد واشنطن لاحقا، على الأردن، أو بقیة الأطراف، في حال تم افشال صفقة القرن، وھو حقد مكلف على أصعدة كثیرة، وسیؤدي الى دفع ثمن مرتفع.
الأردن امام كلفة في الحالتین، سواء رفض الصفقة، لاعتبارات بنیویة، تتعلق بخطورة تفاصیلھا، وصعوبة تنفیذھا، او حتى قبول الصفقة مضطرا، وھو في الحالة الثانیة، سوف یواجھ وضعا حساسا جدا، على صعید الداخل الأردني، وعلى صعید المنطقة، وھذا یعني فعلیا اننا امام كلفتین، وعلینا الاختیار، في حال أصرت واشنطن على اشھار صفقتھا.
في الوقت ذاتھ، فإن خبراء بلا ضمیر، یتحدثون ھنا، عن كون الصفقة غیر عادلة مالیا للأردن، حتى لو قبلھا، إذ ان الأرقام التي یتم طرحھا لا تفید الأردن الا بشكل محدود، ویظن ھؤلاء ان رفع السقوف المالیة للصفقة، سیغیر من موقف الأردن، ومن موقف الشارع، الذي بات منھكا اقتصادیا، وقد یضطر للتعامل مع ھكذا حل، ورأي ھؤلاء یبدو تافھاً، من حیث ظنھم ان القصة ترتبط بالبیع والشراء، وان الغایة وراء رفض الصفقة بصیغتھا الحالیة، رفع سقفھا المالي، وھذا كلام یفتقد الى المنطق، ویبدو رخیصا في دوافعھ، وكأن الأردن ھنا، یرید ثمنا افضل، حتى یقبل الصفقة، فھو لا یرفضھا، بل یرفض قیمة جوائزھا، برأیھم.
نحن امام تطورات متسارعة، الانتخابات الإسرائیلیة، ونتائجھا، وتشكیل الحكومة الإسرائیلیة، ووضع الإدارة الأمیركیة، ومواقف الدول العربیة، وموقف الأوروبیین والفلسطینیین، وغیر ذلك من مؤشرات، قد تؤدي بغتة الى تراجع واشنطن عن كل الصفقة، واللجوء الى حلول انفرادیة، عبر فرض الامر الواقع، ومعاقبة كل المنطقة، عبر ما رأیناه من اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائیلي، او الاعتراف بسیادة الاحتلال على الجولان، او اعلان ضم الضفة الغربیة، للاحتلال، وترك غزة لمصیرھا معزولة ومغلقة، وبحیث یكون ھذا ”الحل البدیل“ عن ”صفقة القرن“، وھذا یعني تعظیم مكانة الاحتلال، وتسویة الملفات، حتى بدون اغراءات مالیة، او جوائز ترضیة لأحد.
حتى شھر حزیران المقبل، نحن نمر بفترة حساسة جدا...ھذه ھي الخلاصة.
الغد