السلوك الاستهلاكي المطلوب لتنمية الصناعة وتحقيق النمو
د. سامر إبراهيم المفلح
06-04-2019 10:35 PM
يُعد الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة من أهم إن لم يكن أهم المؤشرات الاقتصادية الذي يتم قراءته وتتبعه من قبل صانعي السياسات العامة في الدولة، وكما هو معروف فإن الناتج المحلي الإجمالي هو عبارة عن القيمة لكافة السلع النهائية والخدمات التي يتم إنتاجها في دولة ما خلال فترة زمنية محددة، ويتم قياس الناتج المحلي الإجمالي إما من خلال مجموع الكسب أو من خلال مجموع الإنفاق في الدولة، والطريقة الثانية هي الأكثر شيوعًا، وعلى كل الأحوال يجب أن تؤدي أي من الطريقتين إلى ذات النتيجة.
ويتم قياس مجموع الإنفاق لاحتساب الناتج المحلي الإجمالي من خلال مُحصّلة جمع 1) الاستهلاك الخاص للأفراد مضافًا إليه 2) إجمالي الاستثمار (إنفاق الشركات) مضافًا إليه 3) الإنفاق الحكومي ويُجمع أخيرًا 4) "الصادرات– الواردات"، ويُعتبر المعامل الرابع في معادلة الناتج المحلي الإجمالي (الصادرات - الواردات) المرتبط أيضاً بالميزان التجاري للدولة من أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنتيجة فإن زيادة الصادرات والتقليل من الواردات تُعتبر من أهم العوامل التي قد تُسهم بشكل كبير في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي زيادة النمو الاقتصادي، وبالنظر إلى الميزان التجاري للمملكة فيلاحظ أنه وفي العام 2018 فقد كان العجز في الميزان التجاري والذي يمثّل الفرق بين قيمة المستوردات وقيمة الصادرات ما مجموعه (8.8) مليار دينار، حيث كانت إجمالي الواردات إلى المملكة 14.4 مليار دينار، شكّل النفط الخام ومشتقاتهما ما نسبته 20% من الواردات وبما يقترب من 2.9 مليار دينار، أما إجمالي الصادرات الكلية فقد بلغت 5.5 مليار دينار.
ولا بد من تبنّي سياسات مختلفة تشجّع الصناعات الوطنية سواء من ناحية تعزيز تنافسيتها، ابتداءً من الترويج للصناعات المحلية داخل المملكة بالدرجة الأولى، ومن ثم في الأسواق العالمية، وذلك من أجل تقليل الواردات وتنمية الصادرات، وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي أكبر، والكثير من دول العالم تعلّم أبناءها في المدارس أهمية استهلاك المنتج المحلي من أجل تعزيز المكانة الاقتصادية للدولة، وبالاطلاع على بعض التجارب الدولية فإن نظام التعليم في تلك الدول يؤثر بشكل كبير على سلوك الأفراد، فتلاحظ أن المستهلك في الدول المتقدمة يتطلّع إلى بيانات المنتج وينظر إلى البلد المُصنِّع، إذ تكون هذه المعلومة من أهم المعطيات عند أخذ قراره لشراء منتج معين.
من السياسات الأخرى الممكن تبنّيها توعية الأشخاص بالمنتجات الوطنية المُتاحة في الأسواق وأماكن شرائها، إذ إن الكثير من المستهلكين لا يعلمون من أين يستطيعون شراء المنتجات محلية الصنع، فالجانب التثقيفي لتشجيع استهلاك المنتجات المحلية وأثرها على تنافسية الدولة، من الجوانب المهمة أيضًا التي يمكن تطويرها من خلال وسائل الإعلام المختلفة وبالتعاون مع الجهات المعنية، ويمكن العمل أيضاً على تكثيف أنشطة المعارض المحلية في مختلف مناطق المملكة، للتعريف بالمنتجات الوطنية وتعريف المستهلكين بها بشكل أكبر.
لا شك أن التعريف بأهمية استهلاك المنتجات الوطنية وأثرها على النمو الاقتصادي هو من الجوانب المهمة التي يمكن تعزيزها بالتعاون مع جميع الجهات ذات العلاقة، والتي قد تشمل وزارة التربية والتعليم، ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الثقافة، وغرف الصناعة، وغيرها من الجهات، وصولًا إلى نمط استهلاكي عند الأفراد يأخذ بعين الاعتبار الأثر الاقتصادي المُتوقع عند شراء سلعة معينة.