السطر الغائب في بيان وزارة الخارجية
ماهر ابو طير
06-04-2019 12:45 AM
كیف یمكن أن نقرأ العلاقات الأردنیة السوریة، بعد بیان وزارة الخارجیة، واستدعاء دبلوماسي سوري في عمان، للتعبیر عن الاستیاء بسبب اعتقال عشرات الأردنیین؟.
على الأرجح ھذا التصعید من جانب عمان الرسمیة، یعبر عن تدھور في العلاقات بین البلدین، بعد أن راھن كثیرون على احتمال تحسن ھذه العلاقات، خصوصا، مع الوفود الأردنیة والسوریة التي زارت البلدین، وفتح المعابر، وتدفق التجارة، وغیر ذلك من مؤشرات تعاظمت في فترة ما إلى الدرجة التي تم فیھا الحدیث عن تعیین سفیر أردني في دمشق، وبالتالي تعیین سفیر سوري في عمان.
اعتقال عشرات الأردنیین، یعبر عن أخطاء فادحة وقعت فیھا ثلاثة أطراف، أولھا وزارة الخارجیة الأردنیة التي كان لا بد من أن تحذر المواطنین مبكرا من فكرة السفر إلى سوریة، وھي ما تزال في ظروف متقلبة، دون أن یعني التحذیر ھنا، الإساءة لدمشق الرسمیة، وثانیھا المواطن الأردني الذي تناسى أن سوریة ما تزال حساسة أمنیا، وھناك جماعات مقاتلة، إضافة إلى اعتبارات مرتبطة بالشكوك الأمنیة السوریة بحق الأردنیین وغیرھم، فیما ثالثھا یرتبط بدمشق الرسمیة، التي تتصرف بعنجھیة متناسیة على الأقل وجود أكثر من ملیون سوري في الأردن، لكنھا في كل الأحوال لا تأبھ بھم، فلماذا تأبھ لعشرات الأردنیین المعتقلین في سجونھا.
اللافت ھنا للانتباه، أن السلطات السوریة، لا تضع عمان الرسمیة في صورة أسباب الاعتقالات، بل تعتقل، وتقول لعمان الرسمیة، انھا لا ترید التنسیق في الحد الأدنى، وبدلا من إطلاق سراح ھؤلاء، أو على الأقل ابلاغ عمان سبب توقیف كل شخص، تدیر ظھرھا، مع المعلومات التي تتسرب حول وجود سماسرة یطلبون رشى مالیة، من اجل إطلاق سراح البعض، ھذا فوق أن الطریقة السوریة في الشك والاعتقال، معروفة تاریخیا، بكونھا تعتمد على اتفھ التصرفات التي
قد لا تعني شیئا بمعاییر دول أخرى.
إعلان بیان وزارة الخارجیة، یعني بشكل مباشر، طلبا ناعما من الأردنیین بالتوجس خیفة من الذھاب إلى سوریة، وإذا كانت عمان لا تعلن ذلك صراحة، فھي في سیاقات استدعاء دبلوماسي سوري للمرة الرابعة، واشھار بیان رسمي، تقول ضمنیا، إن من یسافر یخاطر بنفسھ، وان على كل مواطن أیضا أن لا یغامر بنفسھ في ظروف ملتبسة.
ھذا التوتر المستجد في العلاقة، یؤشر على عودة العلاقات الى مربعھا الأول، والواضح أن السوریین یریدون فقط من الانفتاح على الأردن، توظیف الأردن باعتباره جسرا لتجارتھم، ولا یریدون تقدیم أي شيء على الصعید الاقتصادي بالمقابل، والمعلومات تؤكد ھنا، أن السوریین یعرقلون التجارة الأردنیة، بوسائل مختلفة، ولا یقدمون أي تسھیلات مثل التي یقدمھا الأردن للسوریین، وھذا ملف آخر فیھ تفاصیل كثیرة، بحاجة إلى مطالعة مستقلة.
معنى الكلام، أن بیان وزارة الخارجیة وإن كان یتحدث عن ملف المعتقلین، إلا أن وجھھ السیاسي على مستوى علاقات الدولة، واجب القراءة، لأننا نعرف أن السوریین لن یھتموا بمثل ھذا البیان، ولا بالتذمر أمام دبلوماسي سوري في عمان، وھذا یعني فعلیا، ان البیان یعلن مجددا صعوبة تحسین العلاقات بین الأردن وسوریة، ان لم یكن استحالتھا، وھذا ھو السطر الغائب في بیان الخارجیة، الذي تم تركھ لقراءة الكلام وراء الكلام.
لكن لماذا تمتنع دمشق عن التجاوب مع الأردن، ولو على الأقل صونا لماء وجھ الذین یناصرون النظام السوري، أو یؤمنون بكون سوریة تتعرض لمؤامرة كبرى، والاجابة سھلة، إذ ان دمشق أولا وأخیرا، تظن أن عمان ساندت الفوضى السوریة، ھذا فوق الذھنیة الثأریة السوریة التي ترید من الكل أن یأتوا راكعین خاضعین معتذرین إلى دمشق، إضافة إلى أن العلاقات مع عمان، لا یمكن أن تنفصل لدى صاحب القرار في دمشق، عن مجمل معادلات العلاقات الأردنیة مع إیران، أو بقیة السلسلة إیاھا، وھذا یعني أن ھذا الملف معقد جدا؟!.
ثم قولوا لنا یا من تجلسون في دمشق، ماھیة تھم ھؤلاء، فقد یكون أحدھم جاء مخربا، أو بنیة سوء، ولحظتھا لن یؤازره أحد، لكن اعتقال العشرات دون تفسیر، یرتد سلبا، ویؤجج المخاوف، ویوقف موجة الاندفاع الشعبي نحو سوریة، ویحقق غایات من لا یریدون ان یحدث أي تقارب أردني سوري، وھذا بحد ذاتھ ملف یتوجب على دمشق أن تتنبھ لھ.
الغد