"زيلينسكي" هو الحل في أوكرانيا
د.حسام العتوم
04-04-2019 12:29 PM
لم تتعافى الفدرالية الروسية، ولم يصعد رسمها البياني السياسي والاقتصادي ومنه العسكري الفضائي، والدولي كذلك، ولم تتوازن مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع أوربا عسكرياً بوجود حلف (الناتو) مثلاً إلا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، وكما كانت أوكرانيا بالنسبة لروسيا جاراً شقيقاً، وشعبها أيضاً عزيزاً في عمق تاريخ السوفييت، هي كذلك اليوم بالنسبة لموسكو، ولم تقترب روسيا من الأزمة الأوكرانية عند اندلاعها عام 2014 إلا من زاوية المحافظة على بوصلة الدولة الأوكرانية واستقرارها في زمن قبل الانتخابات الرئاسية لهذا العام 2019 لتوجه سلطتها في كييف صوب الاتحاد الأوربي الذي لا تقف بوجهه، ولا حتى بالتوجه لاقتصاد أوروبا، لكنها أي روسيا وقفت وراء تشكيل اتفاقية (مينسك) عام 2014 أيضاً لإحلال السلام بين شرق أوكرانيا الأقرب لحدودها الجنوبية المتحدث باللغة الروسية، والذي حاولت (كييف) ضمه قسراً وطمس لغته رغم وجود انفصاليين شرقيين مناضلين رافضين لانقلاب كييف ولسيطرة التيار البنديري المتطرف على محاور السياسة والبرلمان (رادي الأعلى) في الجناح الغربي من أوكرانيا، ودافعت روسيا سياسياً وربما حتى عسكرياً عن الشرق الأوكراني الموالي لها بسبب تعرضه لقصف أوكراني عسكري غربي استمر سنين طويلة.
وأجرت كل من أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، وفرانسو هولاند، رئيس فرنسا آنذاك مفاوضات مع الجانبين الروسي والأوكراني أضفت إلى توقيع اتفاقية (مينسك 2) عام 2015 بحضور الرئيسين بوتين وبارشينكا مهدت لإجراء انتخابات محلية، ولوقف القتال بين غرب أوكرانيا والانفصاليين الشرقيين، ولتبادل الأسرى، ولإيصال المساعدات الإنسانية، ولإجراء تعديلات دستورية أوكرانية، وللعفو عن المقاتلين من الجانبين، والذهاب إلى اللامركزية الإدارية، وهو الأمر الذي أدى إلى وقف عقوبات الاتحاد الأوربي على روسيا، بينما توجهت موسكو لإعادة إقليم القرم إلى عرين الدولة الروسية بعد صعود التيار البنديري المتطرف والذهاب إلى علاقات سلبية مع موسكو، وبحكم الأحقية التاريخية منذ عام 1983 إبان حكم كاترين الكبيرة الثانية، واعتبار إلحاق الرئيس نيكيتا خرتشوف لموقعه الجغرافي في العهد السوفييتي عام 1954 للعهدة الأوكرانية إجراء إداري واقتصادي مؤقت تحدث عن ظرف حالة سوفيتية واحدة لم تأخذ بعين الاعتبار الأهمية الاستراتيجية أسطول البحر الأسود النووي العملاق الذي تمتلكه روسيا هناك منذ القرن الثامن عشر، وكانت روسيا تدفع إيجار موقعه لأوكرانيا منذ عام 1997 مبلغاً يعادل 100 مليون دولار سنويا،ً وفور إعادتها للقرم انتهى أمر استئجار موقع الأسطول إلى الأبد.
وبعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية الأوكرانية بتاريخ 31 آذار المنصرم من هذا العام 2019 تبقى المراهنة ماثلة على المرشح الرئاسي فلاديمير زيلينسكي الذي حصل على 30.2% من أصوات الناخبين لكي يسجل فوزاً آخراً نهائياً بتاريخ 21 نيسان الجاري على منافسة الرئيس السابق بيترو بارشينكا الذي خسر أصوات القرم، وشرق أوكرانيا، والأوكران داخل روسيا، وهو ما تتوقعه موسكو بالمناسبة وترغب به، بينما لم تتأكد مبكراً من مقدرة بارشينكا لدخول حلبة المبارزة مع زيلينسكي في الجولة الانتخابية الثانية، وهو الذي حصل في الجولة الأولى على 16% من أصوات الناخبين، وبقيت المرشحة يوليا تيماشينكا رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب كل الأوكرانيين، والتي سبق سجنها، واتهامها بسوء استغلال السلطة تحتل المرتبة الثالثة وبنسبة أصوات بلغت 13.3%، رغم قيادتها سابقاً للثورة البرتقالية بهدف الإصلاح، ولم تتمكن من مواصلة المنافسة على المقعد الرئاسي وخرجت مبكراً. وتم الدفع بـ أناتولي هريتسنكون ويوري بويكو إلى المركزين الرابع والخامس وبنسبة تقارب الـ 10%.
والممثل وكاتب السيناريو المسرحي الثري زيلينسكي محسوب على الملياردير كالامونسكي كما يشاع القابع في إسرائيل كما يُشاع إعلامياً، وهو من خارج التصنيف السياسي، ويستطيع أن يصبح سياسياً محترفاً عند وصوله لكرسي كييف الرئاسي، ولا خطايا ولا مآسي له وسط الشارع الأوكراني الذي يفضله على بارشينكا الذي أدار ظهره، وأوكرانيا لروسيا، وذهب لمصافحة الاتحاد الأوربي، وأمريكا، والناتو فقط، متناسياً التاريخ المشترك وتقاسم رغيف الخبز الواحد الأوكراني الروسي السوفييتي، وخاض حرباً سياسية واقتصادية مع موسكو أفقدت بلاده إقليم القرم، وإمكانية التزود بمادة الغاز الطبيعي، وذهب أكثر من ذلك إلى الحصول على الغاز الروسي بطريقة غير مباشرة عبر أوروبا، وقاطع موسكو سياسياً،و بادلته المقاطعة بالمثل لحين ظهور شخصية معتدلة جديدة مثل زيلينسكي تقبل بمحاورة روسيا، وبالتعاون والتنسيق معها لإيجاد حلول ناجعة للأزمة الأوكرانية بين الغرب والشرق من جهة، ومع روسيا من جهة أُخرى. ويقابل هذه المعادلة أن يعرف ساسة أوكرانيا بأن إقليم القرم عاد إلى غمده كما السيف ولا مفاوضات تقبل موسكو حوله، وإنما تدعو لعلاقات طيبة ودافئة مع كييف خدمة للدولتين الجارتين للشعبين الشقيقين، ولردع تمدد الحرب الباردة التي تقودها أمريكا تحديداً باسم الغرب، والتي ترفضها روسيا، وترفض معها سيطرة القطب الواحد على اقتصادات وسياسات العالم، وتدعو لعالم متعدد الأقطاب ومتوازن بذات الوقت ومتعاون، وباحث عن السلام والتنمية الشاملة.
والآن الكرة في الملعب الأوكراني السياسي والاقتصادي لفتح صفحة جديدة مع موسكو من شأنها أن تعيد الأوضاع إلى مكانها الطبييعي. ومن حق أوكرانيا صديقة الأردن الطامحة لفتح سفارة أردنية في كييف خاصة لنجاحها في المجال الاقتصادي حيث بلغ حجم التبادل التجاري مع الاردن 160 مليون دولار، ووصلت المقاعد الدراسية لطلبة الأردن إلى 538 مقعداً، وسبق أن صوت الأردن في الأمم المتحدة لصالح وحدة الأراضي الأوكرانية بتاريخ 15 آذار 2014 ويبدو خارج موضوع القرم، من حقها أن تقيم علاقات متوازنة مستقلة مع دول العالم، وأن تحافظ على علاقات حميدة مع روسيا بالذات ليعم الاستقرار في البلاد الأوكرانية كافة واسعة المساحة (603.628م2) وبتعداد سكاني وصل إلى (45) مليون نسمة، ولا توجد مشكلة أمامها من التعاون مع الاتحاد الأوربي والغرب اقتصادياً خاصة، لكن عليها أن تبقى حذرة من التعامل مع مشاريع أمريكا في توسيع شبكة حلف الناتو العسكري تجاه الأراضي الأوكرانية جارة روسيا، ومن الدعاية السوداء ضد تاريخ وحاضر ومستقبل روسيا والعلاقة الاستراتيجية معها على مستوى الحياة الاجتماعية، والثقافية والاقتصادية والسياسية، والأيدولوجية، تماماً كما باقي معظم الدول التي سبق لها أن استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991. والسؤال العريض الذي يطرح نفسه هنا هو إلى أين ستذهب أصوات يوليا تيماشينكا البالغة نسبتها 13.3% في الجولة الثانية التي يترقبها الشعب الأوكراني وروسيا والعالم بقلق؟ وإلى أين ستوجه أصوات أناتولي ويوري التي تقترب من 10% من الأصوات في وقت بلغت فيه نسبة الاقتراع العام 63.48%؟ والمعروف لنا حتى الساعة بأن تيماشينكا لا تؤيد زيلينسكي ولا حتى باراشينكا وبرامجهما، فإلى أين ستذهب أصوات ناخبيها؟ أم إنها ستحجب عن الإثنين؟ وهل ستضيف أصوات أناتولي ويوري فارقاً كبيراً لباراشينكا مثلا؟ دعونا نتابع ونتأمل ونتوقع الفوز لفلاديمير زيلينسكي.