زيادة الإيرادات الحكومية وتقليل العجز
د. سامر إبراهيم المفلح
03-04-2019 09:24 PM
يعتبر موضوع تصميم نظام منافع الموظفين بشكل مستدام ومرتبط بالأداء من أهم المواضيع الأحدث في علوم الموارد البشرية والعلوم المالية والإدارية، والنظريات المتقدمة في هذا المجال تتطرق إلى تعريف منافع الموظفين تحت مصطلح "إجمالي العائدات" (Total Returns) على الموظف.
وتشمل إجمالي العائدات ثلاثة محاور رئيسة، المحور الأول متعلق بالتعويض النقدي (Cash Compensation) ويشمل الدخل الثابت كالراتب الأساسي، والدخل المتغير وهو الدخل المرتبط بالأداء، وقد يكون الدخل المتغير قصير الأمد مثل الحوافز الشهرية أو الربعية، أو طويل الأمد مثل تملك الأسهم في شركات المساهمة العامة، أما المحور الثاني من العائدات يُعرف باستحقاقات الموظفين (Benefits) والذي يشمل آليات حماية الدخل مثل برامج التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي، وآليات تحقيق التوازن بين العمل والحياة كالإجازات، وضمن هذا المحور تقع العلاوات مثل علاوة النقل، والهاتف، والسكن وغيرها، والمحور الثالث من العائدات على الموظفين هو عوائد العلاقات (Relational Returns) والذي يشمل الاحترام، وتحقيق الذات، والأمان الوظيفي، والتعلم والتدريب، والقيمة التي يقدمها العمل.
الشركات الرائدة عالميًا تصمّم أنظمة منافع الموظفين بشكل يمزج بين المحاور الثلاثة الرئيسة المُشكّلة لإجمالي العائدات على الموظف، بما ينسجم مع أولويات عملها وثقافتها، ويمنحها الميز التنافسية المطلوبة، فبعض الشركات تركز على محور التعويض النقدي الثابت والاستقرار الوظيفي مثل الشركات الصناعية الكبرى. شركات أخرى تركز على التعويض النقدي المتغير حسب الأرباح كالشركات الاستثمارية، ومؤسسات وشركات أخرى قد تقلل من الدخل الثابت على حساب تقديم عوائد متميزة مرتبطة بالعلاقات كالخبرة والتدريب المناسب مع توفير استحقاقات كريمة متمثلة بالعمل المرن والإجازات.
وفي السنوات الأخيرة أخذت الكثير من المؤسسات والشركات تركز على الدخل المتغير كنسبة إجمالية من مجموع الدخل للموظف، وفكرة الدخل المتغير تتمحور حول الإنتاجية ومدى تحقيق المؤسسة لأهدافها المالية، ومن أساليبهما ما يعرف بأسلوب مقاسمة الأرباح (Profit Sharing) ويتم من خلاله ربط الدخل المتغير للموظف بالمستهدفات المالية التي يتم تحقيقها على أرض الواقع، بحيث إنه كلما زادت إيرادات أو أرباح المؤسسة كلما زاد الدخل المتغير للموظفين، ويتطلب هذا الأسلوب وضع مستهدفات مالية دورية وقياسها، أسلوب آخر من أساليب الدخل المتغير الرائجة هو تقاسم الوفورات (Gain Sharing) مع الموظفين بحيث تعتمد بعض الشركات على أهداف مالية تتعلق بترشيد النفقات وتقاسم الموظفين الوفورات الحاصلة التي تتحقق من خلال زيادة الكفاءة أو التقنين.
قد يعتقد بعض الناس أن نظام الدخل المتغير يترتب عليه كلف إضافية، ولكنه بالحقيقة يحقق إيرادات أكبر ونفقات أقل، فعلى سبيل المثال إذا كان التاجر يقدم راتبًا مقداره 500 دينار للموظف ويبيع الموظف بالمتوسط 40 قطعة شهريًا ثمن كل قطعة 100 دينار مما يعني 4000 دينار إيرادًا للتاجر مقابل 500 للموظف شهريًا، ولكن إذا أقدم التاجر على إدخال مبدأ الدخل المتغير لتحفيز الموظف بحيث يستحق الموظف 10 دنانير زيادة لكل قطعة إضافية تباع شهريًا عن حد 40، واستطاع الموظف بيع 80 قطعة شهريًا بدلًا من 40 قطعة، سيصبح إيراد التاجر 8000 دينار مقابل 900 دينار للموظف، مما يعني تحقيق فائدة كبيرة لكلا الطرفين، وبالنتيجة الفائدة المتحققة للمؤسسة أو التاجر أكبر من الموظف إذ إنه ضاعف الإيراد وبتكلفة أقل.
الإحصائيات المتوفرة من دول العالم تشير أن مبدأ الدخل المتغير أخذ بالرواج وبشكل كبير، ويقدر اليوم أن أكثر من 90% من الشركات الكبرى في جميع قارات العالم توفر شكلًا من أشكال الدخل المتغير لموظفيها، دراسات أخرى تشير إلى أن نسبة الدخل المتغير من إجمالي دخول الموظفين آخذة بالازدياد أيضًا، ولا شك أن لهذا الأسلوب في تصميم منافع الموظفين حسنات متعددةً، فهو يحفز الموظفين على الإنتاجية بشكل أكبر، ويسهم في زيادة الأرباح، وتقليل النفقات، ويربط بشكل مباشر ما بين أهداف المؤسسات المالية وسلوكيات الموظفين.
وقد نصّت تعليمات منح المكافآت والحوافز لموظفي الخدمة المدنية على نصوص تتيح منح المكافآت للموظفين ضمن مبررات وضوابط وبسقف معين يصل إلى حد 500 دينار، أحد الأفكار التي يمكن دراسة تطبيقها خلال الفترات القادمة العمل على توسيع مفهوم تقديم الدخل المتغير للموظفين العامين، بحيث يرتبط بالإيرادات الكلية ضمن مبدأ مشابه لفكرة مقاسمة الأرباح (Profit Sharing) في القطاع الخاص، بحيث يتم قياس الإيرادات لبعض الدوائر في سنة الأساس، ويتم ربط الحوافز أو الدخل المتغير مع الزيادة الحاصلة بالإيرادات بشكل شهري، إذ يمكن تطوير الفكرة لتشمل الدوائر والمديريات المختلفة التي تحقق إيرادات من إصدار الوثائق، أو التسجيل، أو دفع الضرائب والرسوم، وغيرها.
إن ربط الإيرادات بالحوافز سيساعد في توجيه السلوك الخاص بالموظفين لإنجاز أكبر عدد من المعاملات وبأسرع وقت وربما أيضًا يحفز الإبداع لتقديم مقترحات لتبسيط الإجراءات لزيادة الإيرادات مما ينعكس على الحوافز، المفهوم الآخر والذي يمكن دراسة تطبيقه هو ربط ترشيد النفقات بالحوافز ضمن مبدأ مشابه لنظام تقاسم الوفورات مع الموظفين (Gain Sharing) المُطبّق في القطاع الخاص، إذ يمكن العمل على ترشيد النفقات بقياس المصاريف بسنة أساس محددة لمؤسسة أو مديرية أو دائرة، ويتم بعدها سنويًا قياس التقليل الحاصل في النفقات وتقاسم نسبة من الوفر الحاصل مع الموظفين، مما يشجع بشكل كبير على التقليل من الهدر وعدم المطالبة بموظفين جدد، بل يشجع على زيادة الإنتاجية وبمصاريف أقل.
لا شك أن موضوع الدخل المتغير هو من الممارسات الحديثة الآخذة بالرواج بشكل كبير لما له من أثر ملموس في تحفيز سلوكيات الموظفين بالشكل الصحيح، وقدرته على التكيف بشكل فعال مع المصاريف في حال تراجع الإيرادات. أيضًا هناك متطلبات للتوسع في تطبيق الدخل المتغير في القطاع العام مرتبطة بالقدرة على وضع المستهدفات المالية من إيرادات ونفقات بشكل صحيح لمختلف الدوائر، وبشكل يحقق التوازن المطلوب بين الإيرادات وترشيد النفقات من جانب والزيادة المُحتملة على دخل الموظفين من الجانب الاخر لتحقيق أثر ملموس على مالية الحكومة ودخول الموظفين.