الأقصى إذ يتحول إلى موقع أثري
ماهر ابو طير
03-04-2019 12:33 AM
اخطر ما یواجھھ المسجد الأقصى ھذه الأیام، تحویلھ من موقع دیني إلى موقع أثري، وھذا ما یتم یومیا على ید إسرائیل التي حولت الحرم إلى موقع یزوره عشرات آلاف السیاح.
وفقا لأرقام رسمیة فإن عدد السیاح الأجانب الذین زاروا الحرم القدسي، والمسجد الأقصى تحدیدا، وصل إلى مائة ألف سائح، والكارثة ان الموقع فقد حرمتھ الدینیة، بدخول السیاح بلباسھم المعتاد، دون مراعاة لحرمة الموقع، ھذا فوق التسجیلات والصور التي تسربت لبعض السیاح، وھم یقبلون بعضھم البعض، في ھذا الموقع، او یلتقطون صورا، بطریقة غیر مناسبة، وربما فاضحة، بطریقة تقول ان ھذا الموقع مجرد بناء حجري اثري قدیم، مثلھ مثل اي آثار أخرى قدیمة یزورھا السیاح من كل الدنیا.
الاحتلال الاسرائیلي یخوض معركة بشأن الحرم القدسي، تارة عبر الاقتحامات، وتارة عبر صلاة المتطرفین، واحیانا عبر التھدید بالتقاسم الجغرافي او الزمني، ومرات عبر اغلاق المسجد، وصولا إلى الطریقة الجدیدة، أي السعي لشطب ھویة الموقع الدینیة لصالح إحلال ھویة جدیدة، أي تحویل الحرم القدسي، إلى موقع اثري، فقط، یدخلھ السیاح، دون اي معاییر او شروط، وبحیث یتم التخفیف التدریجي من اشتراطات المكان، نحو إعادة انتاج ھویتھ.
كان السیاح سابقا، یدخلون الحرم القدسي لكن بطریقة مختلفة، وعلینا ان نشیر فقط إلى ان المسیحیین العرب والفلسطینیین، حین یزورون الحرم القدسي، فإن السیدات یستعملن غطاء الرأس، ویتصرفن بطریقة تراعي حرمة الموقع، كونھن یدركن ان ھذا الموقع لھ خصوصیتھ الدینیة، وھذا یعني ان مشكلتنا ھي في السیاح فقط، الذین یأتون إلى الموقع دون ان یمنعھم الإسرائیلیون من ھذه التصرفات، بل لربما یتعمدون ان تكون تصرفاتھم، على ھذا الأساس، لتصنیع صورة اننا امام مبان اثریة، لا قیمة لھا دینیا، ولا حساسیات.
ھذا الملف لیس عابرا ولا عادیا، لأننا لا نتحدث عن الشكلیات فقط، بل نتحدث عن الدوافع والنتائج، أي مخطط تحویل الموقع الدیني إلى موقع اثري سیاحي، عبر اسقاط أي حرمة تتعلق بالموقع، ولھذا نرید تفسیرا منطقیا من الحكومة، حول ھذا الملف حصرا، لیس من زاویة التصرفات وحسب، بل من زاویة تأثیرات السیاحة، على ھویة المكان وتحویلھا إلى ھویة جدیدة بھذه الطریقة، بما یؤدي تدریجیا، إلى اضعاف الھویة الدینیة، ومسھا، بوسائل مختلفة، عبر ما
یفعلھ اغلب السیاح داخل الحرم القدسي.
نحن ندرك حجم الضغط الذي یواجھ الأردن، ویواجھ الشعب الفلسطیني أیضا، لأن الاحتلال الاسرائیلي من جھتھ لا یأبھ بكثیر من اعتراضاتنا، بل یتعمد أصلا تحدي الأردن والفلسطینیین، ولیس أدل على ذلك من رفض الاحتلال مشاریع ترمیم واعمار قدیمة، من بینھا إقامة مئذنة خامسة داخل الحرم القدسي، وغیر ذلك من مشاریع، في محاولة لإثبات ان السیادة ھي للاحتلال، ولیس لأي طرف آخر، وفي الوقت ذاتھ، لا یجوز امام ھذا الضغط التراجع، خصوصا، حین تتزاید التصرفات الإسرائیلیة التي تھدد الحرم القدسي، بكل ما تعنیھ الكلمة.
لقد نجح الاحتلال، بصرف انظار العرب والمسلمین عن الكارثة الاصلیة، أي كارثة احتلال حیفا ویافا واللد والناصرة وبقیة مناطق فلسطین، وحصرنا فقط في قضیة القدس، التي على أھمیتھا، لا یجوز ان تلغي بقیة الملفات الغائبة، وفي الوقت ذاتھ فإن التراجعات على صعید قضیة القدس، نراھا بشكل واضح، حین تناسینا كل التغیرات الدیموغرافیة في المدینة، وسرقة الأرض، وعملیات التھوید، وصار كل ھمنا، ینحصر بحق الصلاة یوم الجمعة، والتباھي بالأرقام التي صلت ھذه الجمعة، او الجمعة الأخیرة من رمضان.
ھذا تحذیر من مخطط الاحتلال الاسرائیلي الجدید، أي شطب ھویة المكان الدینیة، وإعادة انتاج الموقع، باعتباره مجرد موقع اثري قدیم سیاحي یزوره السیاح، مثلھ مثل أي بناء روماني، ھذا مع الإقرار ھنا، ان الاحتلال یوظف الحرم القدسي في برامجھ السیاحیة، ولمصلحة شركاتھ في سیاقات اسقاط الھویة وتذویبھا تدریجیا.
الغد