كانت الأردن وما زالت تعاني شُحّاً في الموارد التي يتمتع بها الأشقاء من حولنا ، وجعلت من الفوارق الإقتصادية طرقاً ليست ممهدةً بما يكفي للتوجه الأردني على الصعد كافة باتجاه الأشقاء ، منها ما هو على الصعيد الشعبي للبحث عن فرص العمل وتحسين الدخل والذي لم يكن أبداً بالمجان وإنما بالجهد والمشقة والمعرفة وحسن الأداء ، مما انعكس تطوراً ملحوظاً لدى الأشقاء وخاصة في مجال التعليم والصحة والإنشاء .
ومنها ما هو على الصعيد الرسمي الذي يطلب الإسناد والدعم للدولة الأردنية التي تضطلع بمسؤولية كبيرة من خلال موقفها السياسي أو العسكري أو الأمني أو الإقتصادي والذي فرضته ظروف جيوسياسية ، مما راكم من حجم التحديات على هذه الدولة للصمود وتصليب جبهتها الداخلية كما جبهتها الخارجية ، وكون ذلك فيه مصلحة إقليمية فضلاً عن كون ذلك واجباً دينياً وقومياً لا ينبغي المساومة عليه أو التنازل عنه مهما كان الثمن غالياً ؛ سواءً كان الثمن للأداء أو القبض .
ولكن التغيرات والتحولات في المواقف السياسية الهائلة والتي فاجأت الشعوب المغيبة قسراً في الوطن العربي عموماً ، خلقت حالة من الذهول الذي نشهده جميعاً ، إذ أن ما تم من تغيير في السياسة والقيم والمبادئ والتوجهات في بضع سنين كنا نظنه يحتاج لعشرات السنين ليحصل ، والذي إن دلّ على شيء فإنما يدل على هشاشة النظام العربي الذي لم يكن بإمكانه أبدا إخفاء نقاط ضعفه عن الأعداء والذين تسللوا إليها واغتصبوا إرادة الأمة من خلالها ، فأصبحت الدول العربية تعيش تحت تهديد الدمار والفناء إن لم تستجب للإملاءات التي لا تختلف عن الإنهاء والإفناء .
ولا شك أن اعتقادنا الذي كان بأننا في الأردن نمثّل خطّاً امامياً متقدماً يستوجب الدعم والإسناد من الأشقاء والأصدقاء قد تلاشى بعد أن صار وضعنا ما يشبه الذي يقع بين فكّي كمّاشة ، وأصبح طموحنا السلامة من المكائد بدل الفوز بالمساند ، ولعلَّ ما كان يُقدّم لنا للوقوف يوماً أصبح يُعرض للنكوص اليوم ويا للعجب أو يا للعار حين تكون التصفية والانتقام بين الصف الذي كان واحداً ، ولمصلحة العدو الذي يستهدفنا جميعاً ولكنه يقدّم ويؤخر في الضحية التي يستهدف ، وإن الثيران جميعاً سيلتحقن بالأبيض منها .
وأمام هذه التحديات الجسيمة التي نتعرض لها اليوم كدولة أردنية بكافة مكوناتها ، أرضا وشعبا ونظاما فإنه بات من المُلحِّ جداً التغيير في الاصطفافات والخيارات ، وحتى الصعبة منها ما عدا الاصطفاف مع الأعداء ، واستثمار كل ما يمكن استثماره استراتيجياً لفرض واقعٍ نحن من يحدد معالمه بمزيد من الشجاعة والثقة ، ولن يكون ذلك إلا من خلال استعادة الثقة الشعبية والتي لن تكون صعبة ان صدقت النوايا فعلاً لا قولا .