كلى للبيع .. صفعة مؤلمة للسياسات الرسمية
فهد الخيطان
10-09-2009 05:09 AM
*** ما الذي يدفع شباناً في مقتبل العمر الى بيع اعضاء من اجسادهم?
لسنوات مضت لم تكن عملية بيع الكلى ظاهرة اردنية. وكانت الاخبار بشأنها مرتبطة دائماً بمصر. ويتذكر الكثيرون منا فيلماً لنور الشريف عُرض اوائل الثمانينيات تدور احداثه حول تعرض مواطن لسرقة احدى كليتيه.
واظهرت تقارير رسمية واعلامية خلال السنوات الماضية ان هناك انتشاراً واسعاً للظاهرة في مصر يعود في الاساس الى استغلال التجار والسماسرة لثغرة في القانون المصري تسمح لأي شخص بالتبرع بكليته لمن يشاء بخلاف القانون الاردني الذي يحصر العملية باقارب الشخص المتبرع من الدرجة الاولى كي لا يتحول الهدف النبيل الى تجارة بالاعضاء البشرية.
بعد احتلال العراق وتشريد الملايين من اهله سجلت حالات كثيرة لبيع الكلى في اوساط لاجئين عراقيين في الاردن وسورية كانوا يعانون من سوء الاوضاع الاقتصادية واجريت بعض العمليات في الاردن.
المفارقة المأساوية في قضية »العصابة الاردنية« في مصر والمتهمة بالسمسرة لبيع كلى لشباب اردنيين زاد عددهم على 25 شاباً هو ان الاردنيين اصبحوا منافسين لمصر بما فيها من ملايين الفقراء المستعدين لهذه المغامرة مقابل الحصول على المال.
تحقيقات النيابة المصرية التي تنشرها الصحافة هناك بتوسع واسترسال تظهر ان الشبان الاردنيين الذين اقدموا على بيع كلاهم هم من الفقراء المسحوقين والمعدمين, ولم يكن ليقدموا على عمل كهذا الا بعد ان وصلوا الى حالة لا توصف من اليأس والعجز عن تغيير واقعهم.
وعندما ضيّق القانون الاردني الخناق عليهم لجأوا الى دولة اخرى تسمح قوانينها بمثل هذا النوع من التجارة تحت مسمى »التبرع«.
عندما يصل الامر بشباب اردنيين الى بيع اعضاء من اجسامهم لتوفير الحد الادنى من متطلبات الحياة, فهذا يعني اننا امام كارثة اجتماعية وبأن الفقر قد تجاوز مرحلة »المدقع« كما تسميه الادبيات الرسمية وهو يقترب من تلك الاشكال الفظيعة التي نشهدها في دول مثل الهند ومصر وبنغلادش.
كل ما فعلته الجهات الرسمية لغاية الان هو الطلب من الجانب المصري المشاركة في التحقيق. وعلى المستوى الأمني الداخلي وضع جهاز الأمن العام يده على عصابة لبيع الكلى في الزرقاء يبدو انها على صلة بالمجموعة الاخرى في مصر. لا بأس في ذلك كله, لكن المطلوب هو المبادرة فوراً الى دراسة الاوضاع الاجتماعية والاسرية للشبان الذين اقدموا على بيع كلاهم. واقترح على التلفزيون الرسمي ان يستضيف من يقبل منهم للحديث عن الظروف التي دفعته لبيع كليته.
الاجراءات الأمنية والقانونية وحدها لا تكفي لأن معاقبة المتورطين في عمليات البيع لن تمنع الاخرين من الاقدام على العمل نفسه. ينبغي ان ننظر بعمق وشمولية الى دلالات الظاهرة وتداعياتها الخطيرة.
انها في كل الاحوال رسالة ادانة قاسية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية الرسمية التي اوصلت المواطنين الى حد بيع اعضائهم من اجل تأمين لقمة العيش ومؤشر خطير على ان برامجنا لمكافحة الفقر والبطالة تعاني من فشل كلوي باتت معه عاجزة عن احتواء المأزق الاجتماعي.0
fahed.khitan@alarabalyawm.net