عندما نقف امام قامة مثل قامة الشهيد ناهض حتر فإننا نقف حقيقة أمام قامة وطنية نضالية وفكرية وسياسية وأدبية، أجتمعت في شجاعة رجل لا يخاف أن يقول ما يفكر به. ناهض حتر مناضل سياسي أردني، صاغ الهوية الأردنية، في زمن حاول الكثيرون طمسها.
أما العلاقة بين ناهض والأردن فهي علاقة حب من طرف واحد، فقد أحب ناهض الأردن حتى الموت شهيداً، وخذل الأردن ناهض، حتى التنكر له في محنته، إلا بعض الشرفاء والأحرار الذين أدركوا حجم المؤامرة على حياة ناهض.
لم يغتل ناهض بسبب منشور ديني "شيّره" إنما أغتيل من أجل مواقفه الشجاعة بوجه الفاسدين، والنيوليبراليين، وبسبب دفاعه المستميت عن الأردن وعن الهوية الأردنية. فكان كالشوكة التي وقفت في حلوقهم، لذلك أغتالوه.
لم يكتف ناهض بالغناء والتغزل بالأردن. بل ذهب ليبحث في الذات الأردني، فكتب "المعزب رباح" وهو كتاب موسوعي حول الأطعمة والعادات الأردنية، وأحّيا الشخصيات الوطنية الأردنية، والحركة الوطنية الأردنية فكان على رأس معظم المظاهرات، أعتقل وسجن عدة مرات، مع محاولة قديمة لإغتيالة، طورد، شوهت صورته، لم يهتم، لم يتراجع، لم يخف، لم يخذل الأردنيين، أحب ودافع عن الفقراء والمستضعفين في وجه سلطة المال والفاسدين، لم يرهب سلطة ولم يهادن. كان مقاله السياسي اليومي في جريدتي "العرب اليوم" او جريدة "السفير" أو "الأخبار اللبنانيتين، مقالاً سياسياً عميقاً قوياً بإمتياز. اصبح مفكراً استراتيجياً، تمتع برؤية واضحة في الضباب الكثيف في المنطقة.
أستطاع أن يتنبأ بما سيصير عليه الأردن والمنطقة بدقة متناهية، حذر منه، وتنبأ بما ستؤول اليه الأمور. أختار الوقوف مع سوريا، ضد الهجمة الصهيوامريكية والإرهابية الوهابية عليها ودعم المقاومة العراقية، ضد الأحتلال الأمريكي للعراق. كان يجلس مع الرئيس السوري أو الإيراني أو العراقي، نداً للند وكأنه رئيساً لوزراء الأردن. كان يقول "إذا سوريا بخير نحن بخير"
ذهبت لحضور حفل تأبينه في دمشق ورأيت كيف أحتفى به السوريون من الرئيس الأسد حتى آخر سوري فقير، كان ينتقل إلى الجبهات جبهة حلب/القصير. ودعم مقاومة حزب الله في لبنان، وتبرع لعائلات الشهداء.صاغ مشروعاً مشرقياً، تجديداً لمشروع أنطون سعادة لسوريا الكبرى (الهلال الخصيب) في السنوات الأخيرة من عمره ولم يمهله العمر
لإكماله، رأى المشرقية العربية قادرة على أن تكون فكراً وتطبيقاً يجمع شعوب بلاد الشام والعراق.
ناهض حتر جدير بالإهتمام بالدراسة، فقد بث الحياة في حركة التحرر العربية والاردنية خاصة. وبنى مشروعاً مقاومة داخلياً وخارجياً. مقاوماً لكل توجهات بيع الوطن الأردني ولجعله وطناً بديلاً، مقاوماً الكيان الصهيوني ومقاوماً للمشروع الأمريكي في تفتيت المنطقة.