قد لا ترتقي «الصدمة» التي تلقّتها واشنطن عندما قرّر الرئيس الروسي بوتين الإنخراط المُباشر في الأزمة السورية, للحؤول دون نجاح المؤامرة الصهيواميركية المدعومة من تركيا وبعض العرب, لإسقاط الدولة السورية وفرض واقع جيوسياسي جديد, لصالح حلف الاطلسي وأدواته في المنطقة، بالصدمة «الجديدة» التي أحدثَها قرار بوتين الأخير إرسال مجموعة «صغيرة» من الخبراء العسكريين الروس, حملتهم طائرتان عسكريتان على نحو علَنِي, كي تفهَم واشنطن وتحالف الدُمى الهش, الذي عمِلت على إقامته في تلك المنطقة من أجل إسقاط الرئيس مادورو, والفوز بأعلى احتياطي نفطي في العالم للدولة اللاتينية, التي تُحاصِرها واشنطن بالعقوبات وتصادِر أموالها.
خُطوة روسِيّة أُخرى, مفاجِئة ومحسوبة بدقة تلحَظ حجم التحدّي والمخاطِر التي قد تترتّب عليها, وبخاصة رد الفِعل الإنفعالي لإدارة يعلو فيها صوت حزب الحرب ورموز الغطرسة, مثل بولتون وأبرامز وبومبيو, الذين يُرتِّبون لغزو جديد على غِرار غزوتهم الفاشلة في خليج الخنازير, قبل أزيد من نصف قرن ضد كوبا.وهم الان يُطلقون تهديدات محمولة على غطرسة واستعلاء تقول للروس: إسحبوا عساكِرَكم وإلاّ, ثم يقوم بومبيو بدعوة موسكو وهافانا لرفع أيديهما عن فنزويلا. إلاّ ان الإرتباك بل العجز هو الذي يُميِّز مواقِفهم الأخيرة, التي دفعت ترمب نفسه الى القول: انه «قد» يبحث الوضع في فنزويلا مع الرئيس الروسي بوتين في وقت لاحق, وربما مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.
العجز الأميركي يبرز في تغريدة بومبيو: «.. إن مادورو الذي يدعو الى عدم التدخّل في فنزويلا, يدعو قوات أمنِية كوبِية وروسِية الى فنزويلا.. ليواصِل نهب البلاد مع المقربين منه»، فيما يعترف داعية الحرب بولتون: بأن مسألة انتقال السلطة للمعارَضة المدعومة اميركيا «قد يستغرِق بعض الوقت», بعد ان يقول بيأس واضح: إن المعارَضة «على اتصال دائم بالعديد من الأميرالات ومؤيديها الآخرين, ضمن إدارة مادورو».
في الأثناء جاء قرار المُراقب العام الفنزويلّي، منع دمية المعارَضة غوايدو من ممارسة اي وظيفة (رسمية) لمدة 15 عاماً للإشتباه في ممارسة الفساد, ليُشكِّل ضمن امور اخرى, انتقال ادارة مادورو الى مرحلة الهجوم, بعد طول صبر في انتظار تعديل موازين القوى, التي بدَتْ وكأنها تميل الى صالح المعارَضة والمعسكر الاميركي, الذي لوّح بالغزو العسكري وراهَنِ على انشقاق الجيش. لكن نظام مادورو لم يرتكِب أخطاء جوهرية او يتعاطى مع الأزمة بتسرُّع، ما أسهَم في إنهاك المعارَضة وتراجع التأييد الشعبي لها, وخصوصاً بعد اعلان موسكو وبيجين وهافانا معارضتها الحازمة لأي تدخل عسكري. وجاء رفض موسكو سحب عسكرييها من فنزويلا, وغمزِها اللافت من قناة واشنطن بأن عليها ان"تفي وعودها بالإنسحاب من سوريا, قبل ان تعِظ الآخرين».
ليُغلِق «الدائرة» على محاولات الإبتزاز والبلطجة الاميركية, وليُجبِر واشنطن على التعاطي مع الأمور بمقارَبة أُخرى. وإن كان من المشكوك فيه تسليمها بهزيمة أُخرى في حديقتها الخلفية. وبخاصة انها تقود «ثورة مُضادة» لإسقاط ما تبقّى من أنظمة يسارية(مُنتخَبَة) في القارة اللاتينية, بعد ان نجحت في فرض عملائِها من الشعبويين في البرازيل وكولومبيا والارجنتين. وبقيت فنزويلا وكوبا وبوليفيا ونيكاراغوا أشواكاً في حلقها, تسعى لإعادتها الى بيت الطاعة, بالعقوبات والتخريب وتمويل المُعارَضات وتسليحها.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي