قيل لي يوما أن ذنبي هو أنني إنسانة عميقة جدا في وقت يطفو فيه الجميع على السطح، وأنني أذوب في التفاصيل عندما ينظر الجميع للأمور نظرة عابرة!
أستميحكم عذرا جميعا أنكم تعتبرون هذا ذنبا كأي ذنب آخر، وأكرر لكم اعتذاري لكوني فتاة تزعجكم إنسانيتها في حالة أن أعتبر ذلك فيه تجاوزا لحريتي حين تبدأ حريتكم إن صح التعبير.
ولكن لن أدعكم تحلمون أبدا بأن أتخلّى عن مبادئي وقيمي وأخلاقي وفوقهم إنسانيتي لكونهم شيء مزعج ولا يمكنني الاستمرار فيه أوتجريعه لأولادي كما تظنون، وأقصدها، نعم هي "ظنون" لديكم ولكنها حقيقة أتحدى بها كل العالم عندما تكبر وتكبر وأقوى بوجودها مع أبنائي الذين سيحذون حذوي في تلك المنظومة الإنسانية الكاملة التي تفتقدونها.
لقد تجرعنا من ذوينا قيما لست ألمسها في واقعنا الحالي أو في جيلنا هذا، ترى ما السبب برأيكم؟ هل تغير الدين؟ هل تغيرت الأخلاق؟ هل اختلفت أوجه التربية؟ هل تفاوتت الأفكار؟ هل تغيرت الأحوال ؟ ما السبب الحقيقي وراء كل هذا ؟
إنما أحبتي "فقدنا السلام والطمأنينة والإنسانية".. فقط هذا كل شيء.. فقدنا روح السلام في قلوبنا عندما نؤدي عباداته.. خسرنا سلاما كان يكسونا تماما حين نقف بين يديه ونطلبه.. فقدنا شعورا بالطمأنينة كان يسيطر علينا عندما كنا نرى أسرتنا وحيّنا وجيراننا بأمان.. فقدنا الإنسانية من الأعماق؛ نعم من الأعماق؛ لم تعد تحكمنا الإنسانية الحقيقية في كثير من الأمور.. باتت إنسانيتنا مجرد ديكور أو برستيج ربما لغاية لا يمكنني الحديث عنها أو حصرها بكلمات هنا، فهي قضية ثانية أعتبرها "كذبة دمرت الإنسانية الحقيقية".. أو قد تكون استظلت بظلها كي ترتقي بنفسها لا أكثر.
"الإنسانية " كما كتبت مرة في مقال سابق هي "وتين الحياة" هي فعلا وتين حياتنا والوتين لمن لا يعرفه هو ذلك العِرْق في القلب الذي إذا انقطع مات صاحبه؛ وكذلك هي "الإنسانية" إذا فقدناها فلا قيمة أو لذة للحياة بانعدامها.
لم أكن أعلم أن قلمي سيطلق العنان لنفسه في الكتابة هكذا .. مسكت القلم لأعبر عن ألمي العميق بقتل كتلة البراءة ابنتي "نبال".. إبنة كل من وطأت قدماه على هذه الأرض، وجع أهلها وجعنا جميعا .. هي وجع المملكة فعلا كما أُطلق عليها .. ولكن المصيبة أنه كم من طفل كان ضحية أولئك القذرين في كافة أطراف العالم، العنف غير المبرر على الأطفال، والاعتداءات عليهم دون رحمة إلى متى.. الأطفال من كافة الأقطار والأطياف في كل دول العالم هم "أطفالنا" كلنا .. ولا يمكن لعاقل "إنساني" أن يتقبل هذا الأمر بصورة عابرة أبدا.
وقصدت أن أقول "إنساني" نعم نحن بحاجة إلى هذه الكلمة الآن أكثر من أي وقت مضى.. يكفينا ما حصل .. يجب أن ننادي بها .. أن نزرعها زرعا في عقول أبنائنا وفلذات أكبادنا كي لا يطيشوا يوما إن صادفتهم رياح الإثارة أو أي أهواء أخرى.. نحن بحاجة إلى أن نتخيل رؤوس أبنائنا عبارة عن "قوارة" ننكشها من تربتها القديمة ونضيف لها تربة جديدة ونسقيها بماء نقي خال من الشوائب التي كانت قد علقت به.. دعونا نزرع قيم الإنسانية في عالم أبنائنا .. دعونا نطلق حملة حقيقية بذواتنا من بيتنا ..كل منا كل حدة .. من مكانه .. دعونا ننقذ العالم من العدوانية .. لنبدأ بأنفسنا في أسرتنا .. مع أبنائنا، قد نجد ذلك صعبا في بادئ الأمر ولكن الذي يريد الحصاد عليه أن يلطخ يديه بالوحل والطين.
أتمنى أن تلق مقالي صدى لدى أصحاب الضمائر الحية، التي لها قلبا يخاف على أبناء العالم لدرجة أن يجعلها تقول
"لو كان مرتكب الجريمة "إبني" لكنت طالبت بصلبه وإعدامه أمام ناظري".
لا تستغربون ردة فعلي .. قد تكون قاسية على مسامعكم ولكن حجم الوجع داخلي أكبر من أي سطر كتبته، فأنا أيضا في حالة استغراب أنني أبحث بأن نكون إنسانا في كوكب يختزل الإنسانية أمام شهوة أو حاجة.. متناسين أننا بني "الإنسان" من يحكمهم "الحب" قبل السلطة والقوة والعدوانية والشهوة.. وقبل كل شيء.