البرنامج الرمضاني (خواطر) الذي يبث على قناة (ام بي سي) قبل الافطار برنامج ناجح ومذهل . ذلك ليس فقط بسبب أسلوبه الشيق والبعيد عن التنظير، إنما تفوق مقدمه الإعلامي الشاب أحمد الشقيري في عرض فكرة مبتكرة غرضها الاستفادة من النموذج الايجابي الآسيوي، الياباني تحديدا، بطريقة عرض يسيرة وجميلة جدا بما لا يتعدى العشر دقائق لكل حلقة يومية. ببساطة فالبرنامج في فكرته الأساسية يثير المواضيع الاجتماعية والفكرية والدينية والارتقاء بالإخلاق التي حث الإسلام أصلا على تطبيقها للنهوض بالفرد والمجتمع المسلم لكنها ببساطة مفاهيم غائبة عنهما، لكنها حاضرة في مجتمعات غير مسلمة.
مضمون البرنامج يستحق أن نصفه بالرائع، فالتطور الهائل في اليابان التي نهضت من ركام الموت، يبهر ولكنه يحزن في الوقت الذي تتجلى فيه الفجوة بين ما يحدث في بلادنا العربية وبين ما هو قائم في الدولة الآسيوية المتقدمة، فجوة سحيقة من الصعب عبورها بسهولة، وهو ما قد يبدو ترجمة لما قاله أحد المستشرقين : (لقد ذهبت إلى الدول المتقدمة فوجدت الاسلام ولم أجد المسلمين وذهبت إلى الدول المسلمة فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام).
ولأن التفاصيل الصغيرة ستبدو مهمة لدولة صناعية مثل اليابان انظر مثلا كيف يفكر هؤلاء: لقد أدركت شركات الألعاب الكبرى في اليابان أنها بمجتمع يمثل شريحة كبيرة منه كبار السن، ولذلك بادرت تلك الشركات لتصنيع ألعاب للكبار بعد أن وجدت أن الألعاب المنتجة لا تجد ما يكفي من الأطفال لتصريفها. المدهش أن حملات إعلانية وتسويقية بالملايين قامت فقط لغرض تشجيع الكبار على اقتناء وممارسة الألعاب الطفولية!. والنتيجة؟ أن ما باتت تحصده مبيعات ألعاب الكبار من أرباح فاق الأرباح التي جنتها من بيع ألعاب الصغار.
لماذا تبدي دولة كبرى اهتماما بما لا يمكن أن نعيره التفاتة؟ الجواب في الدراسة التي أعدها قسم الطب النفسي في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة على أن الكبار يميلون لشراء ألعاب تسلية غالبا ما افتقدوها في طفولتهم أو كرد فعل على الحرمان أو قيود الوالدين ما يثير لديهم لدى اقتنائها راحة نفسية وبهجة مميزة تنعكس على أدائهم في العمل وأخلاقهم في المجتمع!.
عودة إلى برنامج خواطر، يقول أحد المعلقين على البرنامج من خلال الموقع الالكتروني لقناة ام بي سي: كيف أقنع الياباني وهو على هذا القدر من الرقي في الأخلاق، كيف أقنعه بالإسلام لو زار أحد البلاد العربية ورأى فيها طرق التعامل والحياة القاسية وتردي الأخلاق وتردي قيمة الإنسان وانتشار الفساد والإهمال؟.
بأي حال ما أردت قوله أن (خواطر) فكرة طيبة بأن التحضر لا يلغي الحفاظ على العادات والقيم والأخلاق، وبرنامج متميز يثير في البال خواطر، ذات شجون!.