إعلان حالة «الطوارىء» السياسية
حسين الرواشدة
31-03-2019 12:29 AM
اذا كانت جردة حساباتنا في المرحلة القادمة، بما تفرضه علينا من استحقاقات سياسية، تستدعي اعلان حالة «الطوارىء» السياسية، فان ما شهدناه من سجالات عامة ومناوشات على مدار الاسبوع الماضي يشير الى اننا لم نخرج بعد من دائرة «الاستفزاز المتبادل»، ولم نستعد بما يكفي لمواجهة «الحرب» السياسية التي يفترض ان يكون مجتمعنا جاهزا لها، وواثقا من الانتصار فيها ايضا.
لتوضيح الصورة احتاج، اولا، الى تحرير مفهوم «الطوارىء السياسية «، فهي في تقديري اضطرار «للمّ شمل « المجتمع وتوحيد جبهاته وترتيب اولوياته وخطابه العام في سياق المصلحة العليا للدولة، وهذا لا يعني اطلاقا الدعوة الى تقييد الحريات او فرض منع التجول في ميادين «النقاش السياسي» وانما يعني ضبط حركة المجتمع على ايقاع المشتركات الوطنية للحفاظ على تماسكه ووحدته، والاهم نزع فتيل اي استفزاز من اي طرف كان.
احتاج ثانيا الى توضيح الاستحقاقات التي تواجه بلدنا، وهي في سياقين: الاول خارجي يتعلق بالضغوطات والطروحات التي وصلت الى «بريدنا « السياسي من اطراف مختلفة تحت عنوان «صفقة القرن» وما تلاها من تداعيات على مستوى علاقتنا بتعقيدات الاقليم والمستجدات الدولية، وكل هذه الخطوط اصبحت واضحة ومعروفة كما اصبح موقفنا منها واضحا ومعروفا ايضا، وبقي ان نجهز انفسنا للرد عليها عمليا من خلال توافق وطني صلب ومدروس بعناية.
اما السياق الثاني فيتعلق بحالتنا الداخلية التي توافقنا على عنوان اساسي لها، وهو تراجع» الثقة» بين الدولة والمجتمع، وهو عنوان مقلق وخطير، الامر الذي يستدعي العمل بسرعة وبكل طاقة وارادة على استعادتها، وهذا غير ممكن الا اذا قررنا التحرر من اي منطق يساهم في توسيع «الهوّة» بين الاردنيين، سواء فيما بينهم، او مع مؤسساتهم والمسؤولين فيها.
احتاج ثالثا الى الاشارة لبعض نماذج «الاستفزاز» المتبادل التي تابعنا فصولها الاسبوع المنصرف، خذ مثلا رسالة «الفتنة» التي بعثها الينا احد المواقع الاسرائيلية حول مشاركة شخصيات اردنية لاحتفال اقامته السفارة الاسرائلية بعمان، وهي بالطبع رسالة مغشوشة بامتياز، لكن المفاجأة هي ان بعضنا تعامل معها بمنطق «الاستفزاز « وبروح اشاعة الكراهية واغتيال الشخصية، سواء من خلال تصديقها والترويج لها او توظيفها للانتقام من الخصوم، والاخطر من كل ذلك ان مجتمعنا ظهر وكأنه ابتلع «الطعم « الاسرائيلي ووقع في الفخ المنصوب، دون ان ننتبه الى أن ما جرى كان في سياق حرب نفسية تتطابق مع استحقاقات سياسية مطلوب منها ان ندفعها، فيما كان يفترض ان نواجهها بمزيد من الوعي والانتباه والرفض والصمود ايضا.
خذ نموذجا اخر، وهو ما جرى من تداعيات حول تصريحات لاحد المسؤولين انتقد فيها «الحراكيين» الذين يتظاهرون في الشارع، ستلاحظ (بعيدا عن التفاصيل) ان الاستفزاز كان حاضرا في المشهد، وان تطويقه لا يحتاج لاكثر من اعتذار متبادل، على قاعدة ان ما قيل «ليس هذا وقته»، وان النخب الاردنية يجب ان تتحلى الان بأعلى درجات « ضبط النفس « كما ان الاردنيين يجب ان يكونوا كلهم في مركب واحد، لان اختلافهم في الرأي او الموقف السياسي لا يصب - هكذا يفترض - الا في رصيد الدولة باعتبارهم ابناءها، وبالتالي لا يجوز ان يشك احد في احد ولا ان يسيء طرف الى طرف اخر.
بقي لدي نماذج اخرى سأتركها لفطنة القارئ الحصيف، لكن ما اريد ان اقوله باختصار : بلدنا اليوم يتعرض لحصار من كافة الجهات، ويواجه ازمات خانقة، وخيارات سيئة، تفرض علينا ان نعلن حالة «الطوارىء « السياسية، بحيث نتحول جميعا الى الى «حزب فضول» نتوافق فيه على منع كل مظاهر الاستفزاز والتشكيك والتفتيت والصراعات على الحدود، ثم نتوافق ونتوحد في جبهة وطنية واحدة، على اولوية واحدة وتحت شعار واحد، وهو : حماية الاردن، الوطن والدولة، والدفاع عن الوجود الاردني،ورفض اي عروض او ضغوطات تتعارض مع هذا الهدف، مهما كانت.
الدستور