يَكْفِي أن تجلس مَع أي مواطن أردني لتكتشف حجم عدم الرضا عَن الأوضاع بِشَكْل عام، والتذمر من الخدمات الحكومية، والتراجع الاقتصادي، وعدم توفر فرص العَمَل، والخوف من الـمُسْتَقْبل، وَهَذِهِ كلها مخاوف مشروعة، من حق أي إنسان أن يتخوف مِنْهَا، وَلَكِنَّهَا تفاجأ فِي بَعْض النقاشات أن المواطن فِي الـمُقَابِل لا يعتبر أن عَلَيْهِ واجبات يَجِبُ القيام بِهَا، وهَذَا مرده إلى أخطاء سَابِقَة فِي التَعَامُل الحكومي مَع بَعْض القضايا بِحَيْثُ رسخت لَدَى المواطن مفهوم أن الدَّوْلَة الأردنية ريعية بامتياز، رَغْم أن الأرْدُنّ لا يمتلك الموارد الكافية ليكُونَ كَذلِكَ.
لا أحد يَسْتَطِيع أن ينكر دور الدَّوْلَة فِي توفير الكَثِير من احتياجات المواطنين، فَهذا جزء من عملها، وَلَكِن هَذَا الدور يَجِبُ أن يَكُون مُؤقتًا، ومتوازيا مَع أعمال تُؤَدِّي إلى زيادة الإنتاجية فِي الوطن، وتقليل الاعتماد عَلَى الدَّوْلَة الَّتِي يَجِبُ هِيَ بدورها أن تقلل من اعتمادها عَلَى المساعدات والقروض الخَارِجِيَّة، فَهذا ليْسَ من مَصْلَحَة الجَمِيع، والمساعدات والقروض لَيْسَتْ حُلُولاً دائمًا، فَهِي تخضع لتغير المعطيات الخَارِجِيَّة، وخارطة التحالفات والمصالح مَع الدُّوَل الـمُخْتَلِفَة، كَمَا أنها تقلل من استقلالية قرار الدَّوْلَة، وَتَجْعَلهُ أكثر تأثراً بالآخرين.
من الـمُهِم فِي بَلَدنَا بِنَاء ثقافة الاعتماد عَلَى الذات، فحجم الحُكومَة كَبِير، وَهُنَاكَ بَعْض الخبراء يقدرون أن لَدَيْنا فِي بَلَدنَا أكثر من مائة ألف مُوَظَّف يعدون حمولة زائدة، والمراجع لبعض الدوائر الحكومية الخدمية يُلاحِظ كثافة فِي عدد الموظفين وقلة فِي الإنتاج، بِحَيْثُ أن ورود عدة معاملات بَسيطَة فِي الوَقْت نَفْسه يُمْكِنُ أن يَقُوُم بِهَا مُوَظَّف واحد فِي وَقْت قياسي، تربك الدائرة، وتجعل أكثر من عِشْرِينَ مُوظفًا متذمرين، وَقَدْ لا يستطيعون إنهاءها فِي أسبوع.
لِذَلِكَ من الـمُهِم أن يَعْرِف كل إنسان أن عَلَيْهِ واجبات، ولَهُ حُقُوق فِي الـمُقَابِل، وأن نحارب الواسطة بكل ما نَسْتَطِيع، لأنها أصْبَحَت حقًا مكتسبا لبعض المواطنين، والمصيبة العظمى عِنْدَمَا تكتشف أن البَعْض يعتقد أن الوظائف من حقه وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مؤهلاً لَهَا، والخدمات لَهُ، وَلَوْ كانَ عَلَى حساب غيره من المواطنين وَهَذِهِ نظرة ضيقة مُتَخَلِّفَة لا يُمْكِنُ أن تخدم تحديث الدَّوْلَة، وأن تجعلنا نتقدم وَلَوْ قيد أنملة.
إذا اسْتَطاعَ المواطن أن يَعْرِف واجباته وقام بِهَا، وحقوقه، وطالب بِهَا، وقتها ستنعدل المعادلة، وستتغير كثير من الأمور السَّلْبِيَّة فِي الـمُجْتَمَع، وَيُمْكِنُ وقتها أن نبدأ مسيرة النهضة. لَكِن من يعلق الجرس؟
Mrajaby1971@gmail.com