ليس دائما الجشع والغباء سببا في إصرار الناس على الضحك على أنفسهم من خلال "البَوْرَصة". وهو مصطلح اشتق في الأردن، ويعني الاحتيال على الناس من خلال توظيف أموالهم في بورصات وهمية. قد يصح ذلك في الغرب إذ توجد قوانين ضمان حقيقية ومجتمع رفاه واستثمارات حقيقية في الصناعة والتقانة والزراعة، وهي لا تلبي جشع الراغبين في الثراء السريع، في مجتمعاتنا في ظل ضعف أنظمة التقاعد والضمان وسوء الأوضاع الاقتصادية تجنح الناس إلى المغامرة والمقامرة أملا بمستقبل آمن.
يعيش اللبنانيون أيضا أياما عصيبة تذكر بما حاق بأهل البورصة عندنا، وتشير تقارير إلى أن صلاح عز الدين ربما كان تلاعب او اختلس أموال مستثمرين كانت بحوزته تقدر بنحو 1.5 بليون دولار. وقال محمد الدهيني، رئيس بلدية بلدة طورا جنوب لبنان، إن ما يقرب من 250 شخصا من البلدة أودعوا اموالهم عنده، وأنه وعدهم بمنحهم فوائد عليها تبلغ أحيانا اكثر من 25 في المئة.
كما قالت صحف لبنانية أخرى أن عددا كبيرا من المودعين لديه من قطر ومن جنسيات خليجية أخرى، إضافة إلى الكثير من اللبنانيين الذين يعيشون في بلدان أفريفية. وأشارت إلى أن الفوائد التي عرضها عز الدين على هؤلاء كانت ضخمة جدا، وتصل أحيانا إلى ستين في المائة.
لا فرق بين قروي بسيط وموظف يعمل في شركة كبرى في الخليج، يعطل العقل في الحالين لهثا وراء الكسب السريع. وفي أميركا تورّط رجال أعمال كبار مع رجل الأعمال الأميركي مادوف الذي حكم عليه بالسجن لـ150 عاما، بعد اتهامه بالاحتيال وغسل الأموال والتلاعب والسرقة. وقدرت سلطات التحقيق الأميركية الخسائر الناجمة عن احتيال برنارد مادوف بنحو 60 بليون دولار.
ليسوا سواء، هل يصدر حكم في بلد عربي على محتال كما صدر على مادوف؟ هل هو عجز في التشريع أم في إجراءات التقاضي أم في السياسات الحكومية؟ بعد كارثة البورصات تحركت الحكومة وأعادت مبالغ للناس، واستخدمت فيها قوة الدولة أكثر من قوة القانون، ما هو أهم من ذلك إقامة سياج تشريعي يمنع تكرار الكارثة في المستقبل.
فوق ذلك لا بد من فتح نوافذ للتنمية تمكن الفقراء من الارتقاء بحياتهم من دون المقامرات غير المحسوبة، ما حصل في قرى جنوب لبنان تماما مثل ما حصل في قرانا، فالدولة غائبة تنمويا، وحضورها يقتصر على التشغيل والوظائف التقليدية. والزراعة لم تعد مثل أيام زمان، غدا التصنيع الزراعي نباتيا وحيوانيا علما يتطلب المواكبة.
من طرائف البورصات أن انهيارها سبق الأزمة المالية العالمية، فسارع نصابونا إلى توظيفها باعتبارنا جزءا من اقتصاديات العالم الحديث نتأثر ونؤثر به، والحال أننا أبعد ما نكون عنه، فتلك الأزمة جنى المواطن الغربي حقيقة من رفاه سبقها، وفرق بين من جنى وهماً وبين من سكن قصرا وتعثر في سداد ثمنه.
ما يزال الغرب مشغولا في التنظير للأزمة ومعالجة آثارها في السياسات والتشريعات، مع أنه متقدم ومتطور فيها، نحن تحولت كارثة البورصات إلى ذكرى حزينة، وكأنها حصلت في عالم آخر، ولا يخفف عن نفوس المبورصين غير وعود باسترداد بقايا سيولة ظلت عند النصابين.
لا شك أن الأخبار السيئة من لبنان تسهم في تخفيف المصاب، فكلها مبورصة، وعسى الحكومة اللبنانية تستفيد من خبراتنا الفذة في التعامل مع الكارثة.
taser.hilala@alghad.jo