غالبية الدول العربية كما بعض الأحزاب ، لها خطابان باطني وظاهري ، باطني يعبر عن المصلحة الحقيقية لصاحب القرار ، وظاهري للاستهلاك المحلي،.
بين حين وآخر تتسرب إلى الصحافة بعض المعلومات التي تفضح ما يجري خلف الغرف المغلقة ، طيلة الوقت ونحن نسمع أن الدول العربية لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل إلا إذا انسحبت إلى حدود عام 1967 ، وفق معادلة انسحاب كامل تطبيع كامل حسب ما يسمى المبادرة العربية ، تحت الطاولة ثمة شيء آخر: موافقات رسمية على خطوات تطبيعية عربية مقابل ثمن بخس وسخيف جدا: تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان لا يشمل القدس طبعا،.
الفضيحة باحت بها صحيفة هآرتس العبرية نقلا عن مسؤولين كبار في الحكومة الامريكية قالوا: أن المبعوث الامريكى الخاص للشرق الاوسط جورج ميتشل تمكن من الحصول على "تعهدات" من العديد من الدول العربية لمختلف الخطوات في اتجاه التطبيع مع إسرائيل مقابل تجميد جزئي في مستوطنات الضفة الغربية ، ومن هذه الخطوات: السماح لاسرائيل بفتح مكاتب لها في أراضيها ، والموافقة على منح تأشيرات دخول لرجال الاعمال الاسرائيليين والسياح ، والبعض الآخر عرض السماح بالاتصالات الهاتفية المباشرة بين إسرائيل ودولهم ، وهناك عدد من البلدان العربية وافق على عقد اجتماعات على مستوى عالْ مع كبار المسؤولين الاسرائيليين ، فيما سمح بعض آخر للطائرات الإسرائيلية بان تحلق من خلال الفضاء الجوي أو حتى تهبط في مطاراتها،.
هرولة "سرية" عربية باتجاه إسرائيل ، مقابل لا شيء حقيقيا ، فما معنى التجميد الجزئي المؤقت ، لسرقة الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات ، وتسمين القائم ، ما معنى ومغزى خطوة كهذه ، مقابل كل هذه الخطوات التطبيعية؟ علما بأن حكومة العدو أعطت ضوءا أخضر حديثا ببناء مئات الوحدات السكنية في المستوطنات القائمة على أراض فلسطينية،.
بصراحة هذا يذكرني بتصريح لهنري كيسنجر ، عراب السياسة الأمريكية الكبير في نهايات القرن الماضي ، حين قال مرة ، أي دولة فلسطينية تتحدثون عنها؟ هذا أمر لم يطالب به أي مسؤول عربي رفيع المستوى قابلته طيلة سنوات، وفي هذه الأثناء ، كان الإعلام العربي يشدو بحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف ، فيما كان السدنة وصناع القرار يحبطون أي خطوة جدية في هذا الإتجاه ، على فكرة ، حكومة أحمد حلمي عبد الباقي الفلسطينية التي أعلنها في غزة بعيد نكسة 1948 حاربها العرب وأجهضوها ، ولم يعترفوا بها ، فماتت في مهدها،.
قيام الدولة الفلسطينية ، ووقف الاستيطان ، وحل قضية الشعب الفلسطيني ، كل هذه المسائل تضر ببعض المصالح العربية الرسمية ، ولهذا ، يحاربها بعض العرب قبل وأكثر من نتنياهو،.