الليلة قرر السهر، ليستطعم مذاقه خارج حدود الوطن، حتى جاء الغبش وادرك انه لم يسهر.
في الوطن يكون للسهر لون اخر، وطعم الذ، حاول ان يستمع لأغنية تسعين للمرحوم سلمان منكوب، تلك الاغنية التي تهزه، فهو ابن ذاك الشجن الريفي، واذا بها اغنية باردة لا تحرك فيه شعوراً، ثم تيقن بعد ذلك ان الاغنية لم يصيبها تغيير، وانما روحه هي التي تغيرت، فللغربة ضريبة تكون احيانا على هيئة فقدان ذاتك.
فحين تصبح لغتك الام ثانوية، وطبقك المفضل غريبا، وحديثك مع الاصحاب صعباً.. تهون الدنيا..
سهرات الوطن لا يدانيها سرور، فيتذكر سهراته ايام الخميس عندما كان طالبا في الثانوية وتملأه الغبطة عند قدوم تلك الذكريات البسيطة، وعلى الرغم من قولهم ان ذاك الزمن وقت شحنة، لكنه يختلف معهم ، فالشحة برأيه تكمن هنا.. عند الوحشة.
وحده الوطن الذي يبقيك جاثما على ركبتيك في حالة انكسارك اثناء حضرته، اما خارج اسواره فقامتك المرفوعة هي خيال لواقعك المستوي مع الارض.
ثم حاول ان يكتب شيئاً عن الوطن، فحضر أقلامه ودفاتره فكتب:
الكتابة مقدسة جدا..
لذا عليك بغسل ضميرك جيدا قبيل نية البدء بقرار مسك قلم.
خاصة في حالة كتابة وطن، فأحرص على ان تكون مواطناً قبل ان تكون كاتباً. ولا تنسَ ان تحاول ارتشاف قهوة اصحاء ضمير الانسان الذي يسكنك. فلا احد منا يخلو منه.
نيوزيلندا