بزيه العسكري ولغته الغاضبة، أطلق الملك عبد الله الثاني قبل أيام، تحذيرات شديدة، خارجية وداخلية، تعيد تعريف الموقف من القضية الفلسطينية وملفاتها، وموقف الاردن الخاص بها، والتي ترى الأردن لقمة سائغة يمكن استغلالها لتطبيق مشروعات الإقليم وصفقاته.
خطاب الملك، واضح، يجيب عن الكثير من الأسئلة المعلقة التي شكلت سابقاً حالة جدلية وخلافية، لتخرجها من خانة “ التردد “ إلى فضاءات الإعلان الصلب عن الموقف من القضايا المصيرية التي تحدد حاضره ومستقبله.
لذا من الأهمية بمكان، عدم الفصل بين ما قاله الملك عبد الله الثاني خلال خطابه، عما قاله السفير السعودي في الأردن الأمير خالد الفيصل بن تركي، الذي شدد على موقف بلاده الثابت من القضية الفلسطينية، ودعم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. كما لا يمكن القفز عن لقاء رئيس الوزراء عمر الرزاز مع الملك السعودي، وكأنما ثمة تنسيق حقيقي وتركيز جديد لإعادة تشبيك التحالفات، للوقوف بوجه الضغوطات التي تمارس على الدولة الأردنية للتنازل عن موقفها.
“ كلا للتنازل عن القدس، كلا للوطن البديل، كلا للتوطين” هكذا قال الملك بوضوح، فالقدس ملف أردني بامتياز، لا يمكن التفريط أو العبث به، والوطن البديل ليس إلا افكار ممسوخة في عقول أصحاب الصفقات، لن تكون واقعاً، يتقبله الجيش والشعب والقيادة، والتهجير وتغيير الديمغرافيا ما هو إلا وهم يُراد تخويف الدولة به، من خلال استغلال الظروف الاقتصادية المفتعلة التي تمر بها.
فالقدس كما هي شأن فلسطيني، هي شأن أردني والوصاية عليها ليس متعلقاً بالملك بل مرتبطاً بالشعب الاردني الذي دفع من دمائه ثمنا لصونها، لا يمكن التفريط بها او التنازل عنها، وكأنما الملك عبد الله الثاني بمقولته هذه يذكر الجميع، بموقف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الرافض لبيع فلسطين لليهود مقابل تسديد ديوان الدولة العثمانية ودعم الخزينة، إذ قال : “ لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليس ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين".
الأردني يُملك صوتاً عالياً في حال وُجه للدفاع عن وطنه، ويملك جيشاً ذو عزيمة في الدفاع عن أرضه وخياراته ضد “ عدو على الحدود “ يتربص به، ولا يؤتمن جانبه.
الوصفة الهاشمية الجديدة الرافضة لكل ما يقال اقليمياً ومحلياً، دعوة للشعب، والعشائر للوقوف بجانب قواته المسلحة، وقيادته، هذا بحد ذاته موقف يُحسب للملك، فالطلقة الأولى التي دافعت عن الأردن كانت عشائرية، والطلقة الأخيرة في الدفاع عن الوطن والشعب والنظام، لابد أن تكون أردنية عشائرية.
هذه تشاركية لابد أن تنظر الى الجميع نظرة واحدة، فالشعب، والجيش والعشائر والحراك كل متكامل إن تعلق الأمر بمستقبل الأردن، بل يمكن القول أن وجود الحراك اليوم قيمة يمكن استغلالها في الدفاع عن الوطن والهوية ضد الأعداء الذين يتربصون به، ويحاولون خنقه وشطبه من الخارطة.
يبقى أن نقول، أن الحراك، أردني وطني المنبت والفكرة، وتخوينه يصب في صالح “ العدو على حدودنا “ واقصاءه يصيب الجميع بمقتل وليس من مصلحة احد، وهذا لا يكون إلا بالاتفاق على المشتركات ومد جسور الثقة، وترك الخلافات لانها مهما كبرت تبقى شائناً أردنياً داخلياً بين أبناء الوطن الوحد، يمكن تلافيها بعد الاستماع لمطالبهم وتحقيقها، او مصارحتهم بحقيقة التهديدات التي تحيط بالأردن، وكضرورة لإعادة بناء الأولويات حسب أهميتها.
kayasrh@gmail.com