رأس المال والدولة وتحديات الإعلام
د.مهند مبيضين
28-03-2019 01:23 AM
أثبتت سيرة الإعلام المعاصر صعوبة تجاهل دور تأثير رأس المال على الإعلام والصحافة، فقد كان رأس المال هو المغامر في سوق التلفزة وليس الدولة، ومع التوسع المضطرد للإنتاج وأنماط التعاقد وتبادل البرامج تتراجع حراسة الدولة لبواباتها أمام سيل من التدفق الإعلامي.
وفي وقت تؤكد فيه التقاليد الإعلامية على أن «الإعلام المستقل يجب أن يبتعد كلياً عن رأس المال» . يسأل صحفي في اللومند دبلوماتيك: ما الذي يتعين علينا نحن الصحفيين والمثقفين أن نفعله في عالم سوف تنقلب فيه الفروق بين الدول الصناعية ونظيراتها النامية من فروق عادلة إلى فروق لا إنسانية إذا بقيت التوجهات الراهنة على حالتها؟ أما زلنا نستطيع صحفيين وإعلاميين أن ندين الوضع ونقترح حلولا وعلاجات حين يكون هذا العدد الكبير من أصحاب المليارات أمثال بيل غيتس وروبرت مردوخ وتيد تورنر وغيرهم من أرباب المال في العالم، مالكين للصحف التي نكتب فيها ولمحطات الاذاعة التي نتحدث عبرها ولشبكات التلفزة التي نظهر على شاشاتها؟.
وكما ان للدولة رقابتها وحراستها، فإن لرأس المال رقابته التجارية على محتوى المادة التي يقدمها، وبرغم قوة رأس المال وهيمنته إلا أنها تظل اخف وطأة من رقابة السلطة التي تتحكم في المحتوى وفي حرية الكلمة، فالدولة ظلت المالك الوحيد المهيمن على مصادر المعلومات، وهي ترى في الاستثمار في الاعلام مشاركة لها بمقدساتها.
امام هذا الواقع لم تجد كثير من الدول العربية بدا من التعامل مع الإعلام المستقل، وفي الحالات التي لم تستطيع فيها التأثير على سيل المعلومات المتدفق، نجدها إما أن تعيق تقدم بعض الوسائل الإعلامية بغلق مكاتبها، او حجبها إذا كانت مواقع انترنت، وفي بعض الحالات أفقدت كثير من الدول العربية مصداقية وسائل الإعلام التي نحجت –الدولة- في اختراقها وأقامت معها علاقات تبادلية، وهكذا أضحت بعض وسائل الإعلام وسيلة بيد السلطة التنفيذية تستخدمها للنيل من صدقية معارضيها.
إن تجاوز رأس المال لـ «التحدي السياسي» في صناعة الإعلام، يظل الأهم، وهذا التجاوز لا يعني ان ينقلب على شرعية الدولة، أويتخلى رأس المال عن مسؤولياته في العمل على وجوب استنارة عقل المشاهد وقيم المهنة والموضوعية، وتنمية الإنسان واشاعة المعرفة وصنع الثقافة القادرة على المواجهة.
وعلى رأس المال السعى إلى إقامة شبكة من العلاقات والمنافع على المستويات كافة، تعنى بالمصالح المشتركة، وتوفر مُناخاً من القناعات المشتركة بأهمية وجود إعلام عربي يخدم المعلومة، ويعنى بالحقيقة، ويستنهض التاريخ، ويمحص الواقع، ويستشرف المستقبل، وقراءة واقعنا والفضاء العالمي من خلال «عيون عربية» متيقظة ومبصرة.
ان التحدي اليوم امام الدول ورأس المال، هو الفضاء الافتراضي والإعلام الاجتماعي، لكن المهنية تنتصر وتقاوم إذا كانت هي الحاكمة، مع مراعاة التقدم ومجارات الجديد والتقنيات الاتصالية، ورفع هامش الحرية والاستماع لكل الأصوات دون تمييز بين موالاة ومعارضة بين ريفي ومدني بين شاب وكهل بين عامل ومدير.
الدستور